تاريخ وتراث

خواطر تاريخية ح4 خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

كان ما قلناه في الحلقة الأولى حول تولية الصديق يحتوي سؤالاً مهماً، فحواه: هل الأمة قادرة على انتخاب ولي أمر صالح لإقامة الدين وسياسة الدنيا.

وذكرنا هناك أن البيعة لأول خليفة للمسلمين تمت بالشورى وفي مناخ يطلب المصلحة العامة، وتظلله شجرة التقوى لدى المهاجرين والأنصار.

ومضى عامان تقريباً والمسلمون قادرون على الإجابة الصحيحة على كل التحديات في الداخل الذي ارتد بعضه عن الدين، ومنع بعضه الزكاة!

ثم اشتبكت الأمة – وفي وقت واحد – مع فارس والروم في ملاحم عسكرية؛ مات الخليفة ولما تحسم نتائجها، وإن ظهرت بشريات نصر من أروع ما رأت الدنيا!

في هذه الظروف مرض أبو بكر رضي الله عنه، والمسلمون – وعلى رأسهم قادتهم من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم – منصرفون إلى مواصلة جهادهم وحسم الأمر مع الفرس والروم؛ وهؤلاء القادة هم من يصغي لهم الناس في الأمور الخطيرة، ممن سماهم المتخصصون فيما بعد: أهل الحل والعقد.

أدرك الصديق رضي الله عنه حاجة الناس لاتخاذ قرار حاسم يتعلق بولاية الأمر من بعده، ويناسب الموقف الدقيق الذي داهمهم بمرضه!

فماذا لو اختلف الناس والجيوش تقاتل في جبهتين! وماذا لو امتد الجدل حول شخص الخليفة إلى صفوف هذه الجيوش، وهي أحوج ما تكون إلى عزيمتها ويقظتها ووحدتها!

شرع الرجل العظيم في العمل، وبحزم وبحكمة جعل الشورى تدور حول شخص الفاروق عمر رضي الله عنه وحده، بعد أن حسم الأمر بينه وبين نفسه في المفاضلة بين عمر وعلي. واجتهاده في هذه المفاضلة كان لمصلحة المسلمين؛ حيث إن عمر ”ربما يريد الأمر فيرى في طريقه إليه عقبة فيدور إليه”. أما علي فإنه ”يرى الاستقامة لا يبالي بالعقبة تقوم بين يديه؛ فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين’ .

وسبحان من رزق هذا العقل هذه الفطنة وهذه الفراسة، ولا يوحى إليه، ولا يعلم الغيب!

وبدأ أبو بكر في استشارة الباقين معه في المدينة المنورة من المهاجرين والأنصار، فلما سأل عبد الرحمن بن عوف عن رأيه في الفاروق قال: ”هو والله أفضل من رأيك فيه، ولكن فيه غلظة”.
فأجابه الصديق: ”ذلك لأنه يراني رقيقاً، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما فيه”.

أما رد عثمان بن عفان رضي الله عنه: ”اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله”.

وأما رد أسيد بن حضير رضي الله عنه: ”اللهم أعلمه الخير بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي الأمر أحداً أقوى عليه منه”.

وأخيراً أملى الصديق على عثمان بن عفان وثيقة جاء فيها:

”إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه. وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب”.

رضي الله عن الجميع!

اظهر المزيد

‫2 تعليقات

  1. ولكل امرىء ما اكتسب وهذا ما يجب في كل العصور لكن للأسف الان في وقتنا يتشبثون بالكراسي رغما عن الشعوب بالقمع والتعذيب والقتل والسجن تتم ولايتهم .. دمت ودام هذا النمير الدافق من يراعك .. تقديري

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى