أدبقصة

جحود

قبلت يديها. هويت على الأرض؛ قبلت قدميها، ثم دمعت عيناي. لم أقدر في حياتي على هذا الفعل الذي ظننته مستحيلاً، ولذلك دمعت عيناي. اندهشت هي، وابتسمت ثم احتضنتني بقوة.
لا أستطيع إظهار مشاعري نحوها، وكلما هممت بقول ما يجيش بصدري، وكلما هممت بتقبيل يديها ورأسها وقدميها يحجزني شيء ما، ويمنعني مانع غامض لا أدرى ما هو أو من هو.
في كل مرة أعزم على قول كل شيء.. وأنوي إظهار مشاعري أمام الجميع وعلى الملأ. وحينما يأتي الموعد أفشل وبعدها أندم، ويقتلني الحزن ويمزقني العجز عندما أختلي بنفسي لأعاتبها كما أفعل في كل مرة.

نظرت إلى بعينين حانيتين، واقتربت منى بدفئها وحيويتها. سألتني: هل تحبني؟
أذكر ذلك اليوم جيداً. لم أستطع الرد، ولم أستطع النظر في عينيها الصافيتين، ولم أجرؤ على الاقتراب من وجهها الوضيء بملامحه الطيبة الوديعة. يومها تركتها ولذت بالحقول القريبة من البيت الصغير المتواضع.

لماذا لم تجبها؟ لماذا لم تخبرها بأنك تحبها أكثر من أي شيء آخر حتى من نفسك التي بين جنبيك؟ لماذا لم تهو على الأرض وتقبل قدميها؟
عملت في صمت لسنوات طوال، ولم يفارق مخيلتي يوماً حلمها. ظللت محتفظاً بهذا السر حتى لا يخطفه أحد منى، ويسبقني إلى فعل ما نويت فعله بيني وبين نفسي. في سجداتي أدعو الله فأقول:
– يا رب بارك في عمرهما وفى صحتهما حتى أستطيع برهما ورد بعض إحسانهما.

اشتريت قطعة أرض وبنيت عليها بيتا أنيقاً في مكان رائع، ودعوت الجميع لزيارته. باركت لي أمي وقالت والسعادة تغمر وجهها: مبارك عليك وعلى عيالك. أخذتها من يدها وجعلتهما يقفان في مواجهتنا جميعاً. ناولتها مفتاحاً، سرت بهما إلى أول شقة في البيت الجميل. فتحت أمي الباب ودخلت هي وأبى كعروسين في بداية زواجهما إلى بيتهما الجديد، ذلك الحلم القديم الذي طالما داعب مخيلتهما. عندها جريت نحوهما، وقبلت يديها، وهويت على الأرض وقبلت قدميها، ثم دمعت عيناي.

هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أقدر فيها على هذا الفعل الذي ظننته مستحيلاً. ولذلك دمعت عيناي. بل ولذلك اندهشت هي، وابتسمت ثم احتضنتني بقوة. عندها اقتربت من أذنها بفمي وقلت لها:
– هل تعلمين الآن كم أحبك؟

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى