لسان العين يثرثر بضجيج الفكر على غفلة من الزمن، يهزّه الكلام من الهذيان وهو يقارع الخوف من النمور التي لم تروّضها الكلاب المسعورة. الوجع يستنفر حواس التراب كي تتيقظ من خطوات العابرين وهي تدنس الزيتون والزعتر. مقيدة أنامل الصحوة وهي تنساق عنوة إلى زنزانة الصمت، والعين لا تختلي بالشمس، ولا حتى تعد نجوم الليل في فضاءات الخيال، عاجزة من ذنوب لم تقترفها.
تهرّب الحنين والأشواق للمدينة بين ضلوع التراب، تتكور بين زنابق الفجر وهي تردد ملامحها على صدر السماء، قبل أن تجف أصابعها عن الدعاء، وقبل أن يثمل الضوء على صدر الليل. تمارس الأحلام في عنق الذاكرة، وتصطاد الملك وتحتل القلعة بلا حراس للوقت وهي تلعب الشطرنج في شوارع الزمن المبتلّ بالأحداث. وها هي أجوبة الحنين ترتبك عند أسئلة المآذن في حضرة النيران الشقراء. وها هو المجهول الذي يداعب الأقدار تتماوج سطوته بين قصاصات الحدود المهاجرة نحو غار ثور، ينتظر هجرة العقول نحو يقظة من غار حراء.
فلسطينية أنا بهويتي، ولكن قلبي سوريا وينبض بمصر والعراق واليمن والسودان. وروحي كل البلاد العربية والإسلامية. أنا ابنتك يا أمتي وطفلك هو ابني الذي ولد بالحنين لأرضك، واستشهد في سماء حبك. فلا تلومينني إن نثرت دمي في وجه كل من يقف بمحرابك مدنّسا. فإن الله لن يخذلك وبكاء طفلك يحرق منثورك العبق المزمل بالرجاء.
يا ابن أمتي في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وفي كل مكان: إني حملتُ روحي في قلب فلسطين لتجثو ساجدة في محراب ثراكم الطاهر، وتسقي جدب الشوق بين مسامات ظلها الصامت وحزنها العاري. سأفتح وجهي دفتر الذكريات لتقرأ فيه وطني الدامع على مخدة الليل الطويل. إن عجز الأمة في استثمار الطاقات البشرية يكمن في القصور الفكري وانكسار الإرادة وتلَفٌ يشوب أنظمة التربية بكل مجالاتها. وقد فاض تنّوره من بطن العتمة على متن أحشاء حروفي المتمردة لأنها محجوبة عن تقديم القيم والمبادئ والأنظمة التي تحفظ فيها حق الفرد.
ما زالت كل أزمة تتفاقم وتتزايد ويكبر الخلل في الأداء. وما ينفك جرف التيه يجرنا فيه لوجود مصالح دنيوية وسياسة اقتصادية، واحتكار العلم لنفخ الدكتاتورية بأنياب التسلط وفرض القوة، ولعدم السماح لوجود من يقوم بتشخيص المرض من قيم ثقافية ونظم دينية وتربوية. وأصبح الأمن بكل أنواعه الفكري، الذاتي، السياسي، الاقتصادي.. كله أصبح لقمة خبز نبحث عنها لسد جوعنا.
لن أقبل أن أكون الورقة التي تحترق، بل أريد أن أكون الماء الزلال الذي يطفئها. بربكم .. هل ننتظر أمطار الرحمة من عنق حكام العرب؟ أم ننتظر أمطار الشرف في جريدة المساء؟ وإلام سنبقى نسمع أنين الحرية من شرفات الشهداء؟