مدن ومعالم

صباحكم أجمل/ سلواد حكاية عشق

الحلقة السابعة والأخيرة

   هي سلواد من يعرفها لا يمتلك الا أن يعشقها ومن يجول دروبها ورحابها يتيه بها ولها، فواصلت مع مضيفي الأستاذ عبد الرؤوف عياد تجوالنا في رحاب سلواد التراثية والتي تروي حكاية عشق الاجداد والجدات، هذه الزيارة الجميلة التي نسقتها الشاعرة السلوادية رفعة يونس بعد ان عرفت عن رغبتي بزيارة سلواد والكتابة عنها، وبعد أن تناولنا الغداء في بيت مضيفي والتقطت عدستي جماليات مزروعاته التي زرعها بأرضه كما كل عشاق الأرض لنتجه لصلاة العصر في المسجد الجنوبي والذي بني عام 1356ه برعاية السيد محمد أمين الحسيني رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، فقمنا بطريقنا بزيارة لدكان السيدة أم محمد والدة الشاب عهد عبد الحميد عاهد والذي التقته الكاميرا الخفية في احد البرامج وعرضوا عليه تقبيل علم الكيان المحتل مقابل مبلغ من المال، فقام بضرب من عرض عليه ذلك فورا وبقوة قبل ان يكشفوا له انه برنامج الكاميرا الخفية فقط، وإلا لكان هذا الأسد قد فتك بالمذيع، وأصرت أم محمد وشقيقته سندس على استضافتنا فشكرناها وذهبنا لصلاة العصر جماعة، ومن المسجد بدأنا جولتنا في ذاكرة سلواد مارين من جوار المسجد الشمالي وهو من المساجد القديمة في البلدة.

   عبر دروب ضيقة وأزقة جميعها من المباني التراثية بدأنا التجوال في ذاكرة سلواد حتى وصلنا إلى مركز العاصور لإحياء التراث والذي تأسس عام 2011م، وهو واقع في نهاية زقاق من الأبنية التراثية، والمركز في مبنى تراثي صغير وجميل، ولكنه مغلق منذ زمن ولا يوجد به أحد فسألنا حاجة تسكن بجواره عنه فنادت على طفلة من البيت المقابل، طفلة رائعة وجميلة وذكية حفظها الله وعرفتنا على اسمها يسرى عيسى عفيف حماد وحين عرفت مقصدنا وما اقوم به تطوعت لاحضار المفتاح التراثي لنفتح المركز وندخله، والمركز في بيت من العقود القديمة المتصالبة من غرفة واحدة من بوابة قوسية ونافذتين على جوانب الباب من النوافذ التراثية القوسية والطولية، وعلى أعلى الباب حجر منقوش عليه عبارات دينية وتاريخ البناء 1355ه وعلي يساره مبنى من عقد قد تهدم، والباب معدني تراثي قمنا بفتحه بمفتاح تراثي ضخم، وعلى يمين المركز مبنى تراثي مرتفع وتحته غرفة مهملة تماما، ومبنى المركز تعود ملكيته للسيد راجح محمود أبو شوب وداخل المركز كانت بيوت العناكب تملأ النوافذ والزوايا، فالعناكب وجدت ضالتها بهذا المكان المهجور، ولكن صاحبة المركز وكما افادتنا الطفلة يسرى اسمها روزا وهي من سلواد ولكنها هاجرت لأمريكا منذ سنوات وبقي المركز مغلقا، وواضح ان صاحبة المركز كانت مهتمة به في البداية فقد صممته من الداخل بشكل جميل حيث قطع بلاستيكية تغطي السقف والجدران، وتركت العديد من القطع التراثية على الجدران منها أثواب وسجادة وقطع مطرزة ومنها قطعة لآية الكرسي، إضافة لعدة صناديق من بقايا أغلفة قنابل الغاز والصوت التي استخدمها الاحتلال ضد الشباب لقمع المسيرات والتظاهرات، واقترح على البلدية والتي تشرف على متحف التراث في سلواد أن تنقل هذه المواد من المركز للمتحف قبل أن تبلى تماما.

   غادرنا المركز بعد أن شكرنا الطفلة يسرى والتقطت لها مجموعة من الصور المختلفة مع شقيقها الصغير والذي تكرم مضيفي الأستاذ عبد الرؤوف بطباعتها حين ارسلتها له وإهدائها للطفلة وشقيقها والأطفال الآخرين الذين التقيناهم بالبلدة، فليس أجمل من زرع الابتسامة على شفاه الأطفال ملائكة الأرض، لنكمل جولتنا في عبق تراث سلواد بين الدروب والأزقة التراثية حيث شاهدت مبنى مهمل بني عام 1368ه حسب المنقوش على حجر عريض على أعلى نافذة مغلقة بالطوب، مع الشهادتين على الجوانب وبيتين من الشعر في الوسط وأكملنا طريقنا حتى وصلنا لمعمل صغير مكون من غرفتين مفتوحتين على بعضهما من العقود المتصالبة في دكان تراثي لصناعة السماق البلدي وفي المعمل التقينا مع رجلين من كبار السن هم السادة عبد الرحمن عاشور ويوسف عفيف “أبو عفيف وشاهدت كيف يتم طحن السماق بمطحنة تقليدية قديمة ومن ثم تصفيته بالغربال والمناخل يدويا لإعداده للاستخدام بدون إضافات، لنغادر بعدها لمشاهدة بيت المرحوم الحاج  عبد الرحمن أبو مسعود/ حماد رحمه الله، وكنت اشرت له في الحلقة الرابعة وهو من اقدم بيوت سلواد وكان صاحبه رجل مضيافاَ وطيب وكان بيته مضافة وديوانا لأهل سلواد، ولكن هذه المرة دخلت الى ساحته المتروكة والمهملة وصعدت الدرج الحجري والذي كان تحته غرفة صغيرة تستخدم كمخزن للبيت ولكنها مغلقة بالحجارة الآن، وبجوار المخزن وتحت البيت غرفة تسوية مغلقة ما زالت تحتفظ ببوابتها الخشبية التراثية، ومن النوافذ من على بسطة الدرج كنت انظر داخل البيت الذي يشكو من الاهمال وغياب الأحباب، وكأن صاحب الدار بأبيات الشعر التي نقشها داخل اطار حجري كبير دائري الشكل يستشرف بها المستقبل وهذه الأيام: ” يا دار لا تجزعي ان حفكِ وجل/ كم أجيال مضت والفخر للدار/ والعز تمضي لياليه على عجل/ والملك يذهب ويبقى الواحد الباري/ بدأت تاريخك في غير من زجل/ راجي بعفوك تعميرا لذي الدار”، ومن النافذة كنت اشاهد العقود المتصالبة وما زال البيت من الداخل والخارج بحالة جيدة ولكنه يحتاج إلى ترميم ويمكن احالته عندها لمركز ثقافي أو متحف تراثي أو أي مؤسسة اجتماعية تخدم سلواد وأهلها، وما زال في الحائط فجوة وضع لها ابواب خشبية لحفظ المواد فيها وعلى الأرض صناديق خشبية تراثية وحصيرة متروكة من القش، والبوابة والنوافذ صممت بشكل جميل على شكل أقواس وأعلاها زخرفة جميلة، وعلى يمين البوابة نافذة قوسية صغيرة للإطلالة على الخارج وبوابة جميلة على يمين بسطة الدرج بدرج حجري جميل للصعود للسقف لكنها مغلقة والأعشاب والأشواك تتراكم عليها، وحسبما روى لي الأستاذ غالب مسعود وهو حفيد المرحوم أن المرحوم قال له: “سيأتي زمان يقول فيه الناس كان في هذا البيت رجل طيب، وفعلا جاء الزمان فمن عاصر جدي عرفه حق المعرفة”، وعلى يمين بيت المرحوم الحاج  عبد الرحمن أبو مسعود/ حماد بيت حجري تراثي مسكون متلاصق به ولكنه ليس بنفس الدرجة من الاتقان والجمال، والبيت يعود لموسى ابو جودية وقد التقينا سيدة من كبيرات السن في سلواد على البوابة، ورحبت بنا وأصرت ان تضيفنا الشاي فاعتذرنا لنكمل الجولة في حارة السحيلة حيث ختام جولتنا في تراث وعبق سلواد، وخلال جولتنا بين هذه البيوتات التراثية التقينا الحداء والشاعر محمد صقر الباشا وهو كفيف ويجلس على باب بيته، وهو شاعر مبدع القى علينا العديد من أشعاره اتذكر منها بعض الأبيات: “دع الكذوب فلا يكن لك صاحبا.. إن الكذوب لبئس خل يصحب/ واحذر مؤاخاة الدنيء فإنه.. يعدي كما يعدي السليم الأجرب”، وأيضا: “إني بليت بأربع يرمينني.. بالنبل نصبن إليَ شراكا، ابليس والدنيا ونفسي والهوى.. من أين أرجو منهن فكاكا”، والكثير غيرها اسمعنا اياها وتحدثنا اليه واعتذر أن التقط له الصور واحترمت رغبته وودعناه وأكملنا جولتنا.

   بيوتات تراثية جميلة وبعضها متميز بجماله وبنيانه، البعض ما زال قائما ومسكونا بأهله والبعض جار عليه الدهر والظروف المناخية وهجرة الأهل عنه فتهدم، وبعضها ما زال قائما ولكنه مهجور فنبتت عليه النباتات التي ستلعب دورا كبيرا في المسارعة بخرابه، رغم جماليات البيت والبوابات التراثية الجميلة والأبواب والنوافذ القوسية رائعة البنيان والجمال، والتي تشكو من الوحدة والهجران وزحف عوامل الدهر عليها، حتى وصلنا الى منزل المرحوم الحاج تايه عياد رحمه الله وهم منزل تراثي واسع بساحة جميلة ومستغل ولكن يظهر ان سكانه غائبون فهو مغلق، وله بوابتان تراثيتان بأقواس من أعلاها والبيت من الجهة اليمنى أعلى ارتفاعا من الجهة اليسرى فعلى ما يظهر بني على النمط التقليدي حيث القبو ومن ثم طبقة الاستخدام، وللجهة المرتفعة نافذتان تراثيتان ذواتا قوسين بالأعلى، وبوابتها في اعلاها حجر يحمل نقش زخرفي جميل وكذلك النوافذ، لنختم جولتنا في سلواد التراثية التي تروي ابنيتها الحكايات والجمال والذاكرة.

   في طريقنا الى مسبح سلواد لتلبية دعوة العزيز باسل عبدالمجيد حامد، ووالده أبو بشار رحمه الله كان رئيسا سابقا للبلدية، شاهدنا سيدة من سيدات سلواد معها كمية من العنب الأبيض والأسود على جانب الطريق، فتوقفنا فقد ظن مضيفي عبد الرؤوف انها للبيع ولكن السيدة اعتذرت أنها ليست للبيع وأننا يمكننا الذهاب للمزرعة للشراء، فشكرناها فانتبهت أننا نريد كمية صغيرة فأصرت أن تهدينا قطفين شهيين من النوعين بكرم أهل سلواد الأصيل اكلناهما بشهية بالسيارة بالطريق للمسبح، حيث استقبلنا العزيز باسل واحتسينا العصير والقهوة وتبادلنا الحديث واتصلت بالشاعرة رفعة في عمَّان وتحدثنا معها، ومن الجدير بالذكر أن المسبح انشأه المرحوم والده وجعل ابناء الشهداء والأيتام يدخلون اليه بدون رسوم رغم رمزية مبلغ الدخول، وقرب آذان المغرب كنا نتجه للصلاة في مسجد ابو عبيدة الشهير بمئذنته، ليكون موعدنا مع نادي سلواد الثقافي والرياضي، ولافاجأ بتكريم رائع من إدارة النادي، فغمرني الفرح بهذا التكريم الدال على روعة روح أهالي سلواد والقائمين على مؤسساتها، فكان حفل التكريم بتسليمي درع تكريم في غرفة الادارة من قبل السادة: عدنان محمد حامد وسامر راجي وعلي بدرة وأحمد عمر عياد وإيهاب رسلان وعبد الرحيم محمود وبمشاركة العزيز مضيفي عبد الرؤوف عياد

      سلواد حكاية عشق من الصعب روايتها بالكامل فشكرا لسلواد أهل وبلدة، وشكرا للنادي رئيسا وهيئة ادارية، وشكرا للبلدية رئيسا ومجلس وأعضاء وعاملين، وشكر كبير لمنسقة زيارتي لسلواد الشاعرة السلوادية رفعة يونس ولمن رافقوني التجوال وساهموا بنجاح جولتي بالمقالات التي نشرت بحمد الله الأعزاء السادة عبد الرؤوف عياد والسيد عبد الرحمن صالح حامد “أبو صالح”والشيخ عبد الكريم عياد على الجهود الكبيرة التي بذلوها معي..   وكم سعدت وتناثر الفرح في فضائي حين علمت أن ادارة النادي قامت لاحقا بتكريم الأستاذ عبدالرؤوف عياد على دوره بخدمة بلدته سلواد وتفريغ نفسه تماما للتجوال معي كي أوثق بقلمي وعدستي ذاكرة سلواد، فهو يستحق كل تكريم على جهوده وعطائه وهذا يدل على روعة وجمال تفكير ادارة النادي وتقديرهم لجهود من يخدم سلواد، فلكل أهل سلواد ومؤسساتها باقات من محبة وتقدير، فهي بلد العلماء والعلم وعرفت الكثير من العلماء الأزهريين وغير الأزهريين منهم، ولا يتسع المجال لذكرهم بهذا المقال.

   غادرت سلواد وبعض من روحي فيها، حيث قام الأعزاء الأستاذ عبد الرؤوف وابن شقيقه الأستاذ أحمد بتوصيلي إلى بيت شقيقي في مدينة البيرة، فودعتهم بكل المحبة شاكرا لهم جهودهم معي، وها انا الآن اجلس في وكني في جيوس وحديقتي وقهوتي مع النسمات الصباحية الحلوة والناعمة، استذكر رحلتي وتجوالي في سلواد لبؤة الجبال، وأستمع لفيروز تشدو: ” أنا صار لازم ودّعكن .. وخبّركن عنّي أنا كلّ القصة لو منكن .. ما كنت بغنّي غنّينا أغاني ع وراق غنية لواحد مشتاق و دايماً بالآخر في آخر في وقت فراق”، فأهمس: صباحكم أجمل.. صباح الخير يا سلواد.. صباح الخير يا وطني.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى