يوشِكُ هلالُكَ السَّادسُ أن يطلَّ من شُرفةِ بهائِهِ عابرًا خطوطَ الوجعِ، ومازالَ الأحمرُ النَّازفُ يبحثُ عن مأوىً بينَ شقوقِ الخطايا الممتدَّةِ على أديمِ المسافات. هناكَ – حيثُ لم تعدْ تشرقُ شمسٌ دونَ أن تستأذِنَ الغمامَ الملبَّدَ بظلالِ الليل – للموتِ خصائصٌ لا يدركُها سوى القابعينَ بينَ شَمالِ الدَّمعِ وجنوبِ الآه.
هناكَ – حيثُ تتمدَّدُ الصَّرخةُ لتشملَ الحجارةَ والتُّربةَ والجذور – تتدثَّرُ البقيَّةُ بما تبقَّى من فرصِ البقاءِ، وتتوسَّدُ كلَّ أسبابِ الفناء.
هناكَ أيُّها القادمُ الجميلُ، تستدركُ اللغاتُ ما فاتَها من قواعدِ الحوارِ، والسياسةُ ما غابَ عنها من بنودِ المساومةِ، ويرفعُ الحسابُ سقفَ أصفارِهِ، وتتبرَّمُ العلومُ من مخزونِها المُتخمِ بأوهامِ النَّظريات.
وحدَهُ التَّأريخُ من يفتحُ صدرَهُ للمزيدِ من قصصِ الحضاراتِ الموغلَةِ في نوايا الاختفاء، ولا يحرجُهُ نبأُ طمْسِ النُّورِ، أو وأدِ النُّفوسِ الموجَّهةِ للهدفِ. ولا يؤرِّقُ صفحاتِهِ البيضاءَ التهامُ نقاءِ الياسمين. يوشِكُ هلالُكَ السَّادسُ أن يُريَنا العِبرةَ، ويعلِّمَنا التماسَ انبلاجِ الحسَنةِ من رحِمِ الذنوب فمرحبَا أيُّها السَّاكنُ في ثنايا النَّبضِ، والمضَمَّخِ بعبقِ الرَّبيعِ الذي تأخَّر هبوبُه. لعلَّ فيكَ أيُّها المخضَرُّ بصيصَ سَحَرِ يمهِّدُ لانتفاضةِ رمادٍ وقيامِ عنقاءَ، أو حلمِ ابتسامةٍ أضاعَتْ دربَ شفاهِ الأمل. أو لعلَّ منكَ تكبيرةً يؤذِّنُ بها مغربٌ يصارعُ جيوشَ الفتنةِ منذُ ألف جوعٍ رهيب.