ظَمأَى عَلَى شُرفَةِ استِرجَاعِ النَّدَى، وَقَفَت أَحلَامُنَا فِي غَفلَةٍ مِن هَجِيرِ الحَقِيقَةِ، تَتَلَمَّسُ ظِلَالَ انتِصَارٍ لِلحَقِّ ذَاتَ غَضبَةِ كِبرِيَاءٍ، فَأَمطَرَتهَا السَّمَاءُ دِمَاءً وَبُكَاءً ، وَسَالَت عَلَى وَجَنَاتِ الدَّهرِ دُمُوعُ القَهرِ سَودَاءَ تُفَحِّمُ أَروَاحَنَا المُتعَبَةَ وَتَطمِسُ تَطَلُّعَنَا الحَزِينَ لِيَقظَةٍ مِن سُبَاتٍ وَبعثٍ مِن مُوَات، وَتُعِيدُنَا لِرصِيفِ الصَّمتِ مَزرُوعِينَ عَلَى قَارِعَةِ الحُزنِ أَعمِدَةَ انتِظَارٍ، يُحَدِّقُ بِنَا العَدَمُ، وَيَتَرَنَّحُ حَولَنَا التَّائِهُونَ وَسُكَارَىَ الأَوهَامِ، يَطلُبُونَ فِي هَبَّتِنَا مَلجًأ لأَروَاحِهِم الهَائِمَةِ وَقَلُوبِهِم الكَسِيرَةِ، فَتَصفَعُهُم بِخَيبَتِنَا بَنَا، وَتَقَلُّعِنَا عَلَى مُنحَدَرِ استِبَاحَتِنَا دِمَاءَنَا، وَتُخَوِّفُهُم بِمَآلِنَا ..
أَلَحظَةَ جُنُونٍ كَانَت أَم صَحوَةً مِن جَنُونٍ، تِلكَ الَّتِي أَسقَطَتْ قَاطِعَ مِقصَلَةِ البَغيِ عَلَى عُنُقِ الصَّبرِ، تُزِيحُ رَأسَهُ أَمَامَ عُيُونِ النَّظَّارَةِ المُتَابِعِينَ بِسَلبِيَّةٍ مَقِيتَةٍ ذَبحَ البَرَاءَةِ وَانسِدَالَ سَتَائِرِ الظُّلمِ تَحجِبُ نُورَ الأَمَلِ وَصَوتَ الحَقِّ، فَيَستَحِيلُ تَطَاوُلًا أَمَلُنَا بِدَوحَةِ أَمَانٍ، وَغَوغَائِيَةً وَاستِلابًا لِلأَوهَامِ نُهُوضُنَا لِاستِعَادَةِ إِنسَانِيَّتِنَا، وَرُعُونَةً بَعثُنَا التَقَطَتهُ عُيُونُ الطَّامِعِينَ، فَوَجَدُوا لَهُم فِيه سَبِيلًا لِامتِطَائِنَا وَإحَالَتِنَا مُدًى بِأَيدِيهِم مُسَلَّطَةً عَلَينَا ..
زَلَقنَا بِواقِعِنا فَانزَلَقنا فِي مَتَاهَةِ الفِرَارِ نَعِيشُ فِي الحُلُمِ مَلجًأ احتَوَانَا عُقُودَ رَهبَةٍ وَدُهُورَ ذُعرٍ، لَكِنَّهُ يُخَلِّفُ اليَومَ نَكهَةَ الكَابُوسِ فِي كُلِّ تَفَاصِيلِ وَاقِعِنَا، بِمَا وَهَبَنَا لِلشَّيَاطِينِ المُتَرَبِّصِينَ غَفوَتنَا يُسَلِّطُونَنَا عَلَينَا فَيَتَعَبَّدُونَنَا وَيَرسُمُونَ بِمُجُونِهِم مَسَارَاتِ حُمقِنَا، مُطمَئِنِّينَ لِغَفلَتِنَا مُؤمِنِينِ بِاستِحَالَةِ نُهُوضِنَا مِن مُستَنقَعَاتِ الهُونِ الَتِي أَسكَنُونَا، مُتَجَاهِلِينَ أَنَ الصَّحوَةَ الَّتِي تَحْمِلُ الخَلاصَ لَا تُنْجِبُ مَا اعْتَادُوا مِن جَعْجَعَةٍ، وَأَنَّ الكِيَانَاتِ السَّاكِنَةَ رُبَّمَا كَانَت جِبَالًا بُركَانِيَّةً تَتَأَجَّجُ فِي أَعمَاقِهَا الحِمَمُ المُلتَهِبَةُ مُهَدِّدَةً قُرًى رَكِبَتها تَظُنُّ نَفسَهَا وَادِعَةً عِندَ سُفُوحِهَا بِانفِجَارٍ قَادِمٍ ..
لَكِنَّهُ الرَّبِيعُ مَهْمَا أَلَحَّتْ بِالشَّتَاءِ المَواسِمُ، قَادِمٌ تُعلِنُهُ رَقصَةُ فَرَاشِ القُلُوبِ الطَاهِرَةِ بَينَ أَكمَامِ الزَّهرِ، تُنَادِيهِ لَيَتَفَتَّحَ مُنتَشِيًا يُلَوِّنُ الدُّنيَا بِجَمَالِهِ وَيَضُوعُ فِيهَا عَبَقُهُ، وشَدوُ أُطيارِ الصِّدقِ تَفتَحُ أَذرُعَ الأَعمَارِ لِلصَّبَاحِ وَتَنطَلِقُ فِي مَهرجَان انتِصَارِ الجَمَالِ عَلَى أَنغَامِ سِيمفُونِيَّةِ إِخَاءٍ صَادِقٍ، وَمَحَبَّةٍ راسِخَةٍ، وَأَمَانٍ حَقِيقِيٍّ يَعزِفُهَا الكَونُ احتِفَاءً بِالدِّفءِ القَادِمِ.