لغة

ما الحكم إذا تقدم المعدود على العدد؟

قال بعض العلماء المتأخرين بجواز الوجهين، أي الموافقة والمخالفة في التذكير والتأنيث. فتقول: (رجال ثلاثة ورجال ثلاث).

منهم الصبان في حاشيته قال: (فلو قُدّم (يعني المعدود) وجعل اسم العدد صفة جاز إجراء القاعدة وتركها كما لو حذف).
وقال: (كما نقلها الإمام النووي عن النحاة، فاحفظها فإنها عزيزة).

والذي وقفت عليه من كلام النووي رحمه الله إنما هو في حالة حذف المعدود، ذكره عند شرح حديث (بست من شوال). وله أيضا كلام في المجموع ليس صريحا في حالة تقدم المعدود. كما أنه لا ينسب لنفسه شيئا، وإنما يحيل على النحاة. وهذه كتب النحاة المتقدمين ليس فيها ذكر لهذا الأمر.

ومنهم الشيخ محيي الدين عبد الحميد، فإنه قال في حاشيته على الإنصاف: (وفي هذه الحال يتنازعك أصلان: أحدهما أصل العدد ومعدوده الذي بينّاه، وثانيهما أصل النعت ومنعوته وهذا يستلزم تأنيث النعت إذا كان منعوته مؤنثاً، وتذكير النعت إذا كان منعوته مذكراً وأنت بالخيار بين أن تستجيب للأصلين، نعني أنه يجوز لك أن تراعي قاعدة العدد والمعدود فتذكّر اسم العدد مع المعدود المؤنث فتقول: الرجال العشرة. ويجوز لك أن تراعي قاعدة النعت مع منعوته فتذكّر اسم العدد مع المنعوت المذكر فتقول: الرجال العشر، وتؤنث مع المؤنث فتقول: النساء العشرة. وعلى هذا يكون قول الشاعر:
(وقائع في مضر تسعة)
قد جاء على أحد الطريقين الجائزين له، وهو طريق النعت مع منعوته)اهـ.

وقال في حاشية أوضح المسالك:
(الصورة الثانية: أن تذكر المعدود ثم تصفه باسم العدد، وهذه الصورة تتجاذبها قاعدتان: الأولى قاعدة العدد مع المعدود وهي تقتضي تأنيث العدد مع المعدود المذكر وعكسه، فتقول تطبيقاً لها (عندي رجال ثلاثة) و(عندي فتيات ثلاث) والقاعدة الثانية قاعدة الصفة مع الموصوف وهي تقتضي موافقة الصفة للموصوف في التذكير والتأنيث، فتقول تطبيقاً لها (عندي رجال ثلاث) و(عندي فتيات ثلاثة) فلما تجاذبت هذه الصورة قاعدة العدد مع المعدود وقاعدة النعت مع المنعوت جاز لك أن تراعي الأولى فتؤنث العدد مع المعدود المذكر وتذكر العدد مع المعدود المؤنث، وجاز لك مراعاة الثانية فتذكر العدد مع المعدود المذكر وتؤنث العدد مع المعدود المؤنث)اهـ.

وهذا الذي ذكره الشيخ محيي الدين عبد الحميد مبني على أمرين:

– أولهما: أن الصورة تتجاذبها قاعدتان نحويتان، هما قاعدة العدد والمعدود، وقاعدة النعت والمنعوت. فجاز الوجهان لأجل ذلك. وهذا ملحظ قوي.

– والثاني: الاستدلال بالشاهد الشعري. وهو قول الشاعر (من المتقارب):
وقائعُ في مضر تسعة = وفي وائل كانت العاشره
(وقائع) و(تسعة) كلاهما مؤنث.
وهذا شاهد يتيم على الجواز، مع ما يرد عليه من احتمال الضرورة.

كما أن بعض أهل العلم حمله على التضمين، فكأنه ضمن (الوقائع) معنى (الأيام) وهي مذكرة.

وذهب تقي الدين السبكي في كتابه (إبراز الحكم من حديث رفع القلم) إلى التفريق بين الصورة التي يكون المعدود فيها هو الأيام والليالي، وصورة ما سوى ذلك.

قال رحمه الله: (إن حذف التاء إنما جاء عند حذف المعدود المذكر إذا كان المعدود هو الأيام خاصة دون ما سواها من المذكر).
وقال أيضا: (هذا كله في الأيام والليالي، أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته، .. إلى أن قال: والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل، ولا يكاد يقدر عليه).

وهذا التفريق الذي ذكره محل نظر، ولم أر من قال به من النحاة.

وملخص المسألة:

ـ أن وجه المخالفة هو الفصيح الذي لا خلاف في صحته، وهو كثير في شواهد اللغة، كما في قوله تعالى (وكنتم أزواجا ثلاثة).
ـ أما وجه الموافقة فمن أهل العلم من أنكره، وليس له سوى شاهد واحد مع ما فيه من الاحتمال. فغايته أن يكون جائزا، لكن الوجه الآخر أصح منه وأفصح.

والله أعلم.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى