الحوار المعرفي

استغلال الإصلاح

الاصلاح كلمة يتم انتهاك اشتقاقاتها من طرف ألسنة المدعين المنتشرين على بساط بلاد العرب وغيرهم هنا وهنالك، كلمة انحسرت عن دلالتها العميقة المؤثرة إلى مفردة جوفاء منزوعة المضمون، كلمة لطالما تشدق بالانتماء لها والارتماء على أحضانها تجمعات المدنية بمختلف محاضنها الفكرية ومشاربها من جمعيات، ومؤسسات، ومراكز، وغيرها. وتبنتها ضمن أدبياتها جماعات متباينة وأطياف متباعدة وتكتلات من كل منحى، سياسي وعقائدي واجتماعي..

بل من أغرب ذلك كله أن تتبنى هذه الكلمة أنظمة وحكومات تترأس زمام الأمر – حقيقة كان أو شكلا-، فتنافح على ادعاء وصلها، وتدعي مكابرةً السير في سبيلها.

   والإصلاح الحق مفهوما وواقعا، ليس شعارا يردد في الحملات الدعوية لهذا الفريق أو ذاك، وليس صراخا وهتافا بالمظاهرات، وليس موردا للتباكي من خلاله على بساط حياة أمة تائهة.

الإصلاح ليس كلمة علاج سحري بإطلاقها يتغير الحال، وتنقلب للأحسن الأحوال.

   الإصلاح منهج تقوم عليه الانطلاقة وتبنى له الغاية نحو التغيير، بدءا ومنطلقا من استهداف تكتل الفساد مرورا إلى إضعافه فإجهاضه.

فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع وخصائصه من حيث العمل بمستلزماته والتنزيل لمقتضياته، ومرتبط بالفساد المستشري من حيث منابعه وقوة نفوده وعمق أثره… ثم بمراحل توقيع الاصلاح بناء على ذلك كله، من خلال بصيرة بالواقع ومنافذ الإصلاح فيه.

فتخط الأولويات بعناية فائقة، وترتب مراحلها وتدقق، خاصة إذا كانت الأمة كحالنا قد هد كيانها الفساد، بل واعتلى  – تغريرا وتضليلا- مطية الصلاح، فصار هو الأصل تربية لعدة أجيال متلاحقة، وسلوكا لا يشان من ملابسته أو يستعر من مصاحبته والعمل به جهارا نهارا.

فنحن الآن ألصق وأجدر وألزم بمرحلة إعادة البناء وضرورته منا من مرحلة التشييد والمزعوم من قبل عدة متصدرين إما تواطؤا مع الفساد حينا أو جهلا بمواطن الإصلاح في أخرى. فهل نبني على أسس ينخر في مكوناتها الفساد؟! فأنى لذاك الإصلاح أن يتطاول بنيانه ويمتد.

  ومن غير حاجة لسرد انعدام إرادة الإصلاح الصادقة على الأقل مشهدا وتجليا، بدءا من رأس هرم الحراك التصحيحي نهاية إلى قاعدة المحكوم في مستوشحاته وما تحت إمرته، يظهر صارخا بشدة تغييب تقنين الإصلاح ومنهجته، ويتجلى بدلا من ذلك حضور المصالح النسبية، لأهداف وقصود متنوعة متباينة بلا أثر حقيقي ولا مآل للتغيير.

قد تكون بعض التحركات هنا وهناك دفعت بها نية صادقة تتحرق على بؤس الأحوال تحاول جاهدة التبني الصادق لمشروع التغيير، لكنها تبقى في ميزان السير العام للحراك الاصلاحي شذوذا، مع اتسامها بعضها بالارتجالية وانعدام الرؤية الشاملة لمواطن وضع الأقدام ومناحي الإحجام والإقدام. زد على ذلك ذوبانها مع الأيام وتحمل المسؤولية – المتوهمة غالبا – في محلول الفساد القوي النفاذ، بل صارت في عدة مناحي حصنا له وقناة لامتداد سيلانه تحت مظلة مخرقة وسموها غفلة بـ: المرحلة الضرورية.

  المغرب وضمن منظومة عربية مماثلة، وإن كان له استثناءاته المخالفة لها في نقاط. لا زال الإصلاح وذرء الفساد بجميع أشكاله مجرد كلمة تعيش الوحدة بيننا، وتُنفخ في جنباتها الأماني.. لا زال الإصلاح مجرد تجارة كلامية تسوّق بالمنابر المرئية والسمعية.. من طرف رؤوس الفساد نفسه أو رؤوس لا تملك من زمام الأمر قيد أصبع.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى