أدبنثر

تذكار

أتذكر؟
وهل تنسى الروح مدنا تصدح بالجمال تألقا وأخرى في عاج صدري لم تبرح رحاب هدبي؟ هل نسعى إليها إلا كهبوب يطفئ جذوة الشوق وهي جسدٌ نعتنقه بقداسة ما تنزل على الروح من قراءات؟
نحن في ماء التراب نشتعل والتراب فينا مجبول. لم نكن قبل أيار مفرقعات نارية تفتت عشقنا على درب الغربة فنحن منذ واحد وسبعين صبراً نزاول المعارك ونكتب بالرصاص حكاية السطر المفقود وثمالة من الضوء (شملة) نتسربلها شمسا تلف خاصرة الدرب بوحي حب تنزل من شهر حزيران بعباءة شهيد.
بنكهة الدموع .. بأنة اقتلاع .. يميت أو يحيي في الاثنين ناراً !
عندما خفق الشفق على ناظريك كان في خافقي مضغة من آخر الليل الطويل يتسنى لنا الآن هذا المكان لبزوغ العودة من قبو الذبول، وأجراس الليل حجارة وجراح وبلاسمُ وكرى ازدلف من كهوف الصمت ضحايا. رنين يصدح، والحبيب تحت سطوة الأسر – يا عشقي الذي بوأني منازل وشرفات وحلم فوق الركام لم تطمس بقلبي لحاظك ولا هنيهة – والآن فؤادي يهتز بك سوسنات وسنونات وغناء.

أبصرنا بصوت البلابل نبالا تهز المحتلين، وأدركنا ما الذي يجعل الصمت في اللون المراق على ثوب الشهيد كرنفالا وجنات وجود. آهٍ يا وجود دمعة على الحدود؛ ظهري محدودب وصدري جَسور وخريف العالم تبدد فينا وربيعهم فينا مولود. لغتي موسيقى شجر في قفار المواجع وخرير الماء والقمح في وجهيَ الشريد استبدلت المعاجم بإحساس قلبي.

علمني الغزاة أن أكون جذع زيتون ونخيلا وسنديان. علمني الغزاة وأنا طفل كيف أقف بحجري أمام العدوان يهتز بكلامي الاقحوان والقمر على الشرفة يرتب مشاعر بيضاء تحمل الفداء ومارسيل يعزف على وتر خافقي ذاك العنوان. أحضروا أدواتهم الأثرية لطمس هويتي وهي معجونة بالندى بما زرعه كنعان ويستمعون لي وأنا أردد العشق السرمدي!
عصفور الوروار الذي نقب بذار غرس السلاطين علق بجناح الهوى غثاء وعودهم على وعود غثائهم، وأنا المنفي والمعدوم والمأسور والمهجر في داخل شجري وخارج العش، وأنا المنبثق كالفينيق من رماد احتراقي في ليلة الخطيئة، وما زلت بحقلي أعيش وأموت حبا.

الآن حقيق عليَّ أن ارتق جرحي بخيطي وآن لي أن أغرس حبي كالطود كي أبني عش القبرة بقش قمحي وبصليل حياة، فالبارود يعلو صوته على القيثارة في زمن الطغاة، وأنا ما زلت أطرب لعزف الغيم الرقراق المتهاطل في حدائق الأمل.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى