قضايا ثقافية

دور العربية في البعث المنشود بين الواقع والآمال

إنَّ انبعاثَ الأُمم التي تراكمتْ عليها حِقبٌ زمنيَّة متطاولة مِن الجمود والهوان، يمرُّ – في العادة المطَّردة التي لا تكاد تنخرِم – عبرَ إحياء القِيَم الفِكرية والثقافيَّة التي منها قوامُ حياتها، وبها تحصيلُ تميُّزها الحضاري.

والأمَّة الإسلامية لا تشذُّ عن هذه القاعدة، فإنَّها سُنة كونية دلَّ عليها استقراءُ تاريخ صعود الحضارات وسقوطها.

ولا شكَّ أنَّ اللغة هي أعظمُ هذه الأُسس الفكرية والثقافية، التي يمكن توحيدُ الأمة على بِساط مراعاتها، وحِفظ أصولها الكُبرى[1].

وإذا كان الأمرُ صحيحًا في الأمم كلها، واللغات جميعها – وهو صحيحٌ بلا ريب – فكيف يكون الحالُ إذا كانتِ الأمَّة هي الموصوفة في كتاب الله تعالى بأنَّها ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، وإذا كانتِ اللُّغة هي تلك التي اختارَها الله – عزَّ وجلَّ – لتكونَ وعاءً لأشرفِ كلام، وأفصحِه وأسماه؟

إنَّ الأمَّة الإسلاميَّة – بعربها وعجمها – عاشتْ أعظم مظاهِر عظمتها، وأسْمق تجليَّات رقيها، حين كانتْ متحلِّقةً حول مائدة اللُّغة العربية، تنهل مِن صفاء معينها الذي لا يَنضَب، دون أن تُغفِل اللغات الإسلامية الأخرى[2]، تعلمًا وتعليمًا.

وإنَّ الأمَّة بعدَ ذلك عرفت أحْلك ليالي ذلِّها، وتخلفها عن ركْب الحضارة المنطلق، حين تركتْ هذه اللغةَ الجامعة الموحِّدة، وانشغلتْ عنها بلغات قوميَّة متنافرة، ثم بعد ذلك بلغات الأعداء المتربِّصين.

أهمية العربية:

“إنَّ أذهان الأطفال كالعجين الذي يُمكن أن يُشكِّله المربِّي على أيَّة هيئة يشاء، فإذا حُشي باللغات الأجنبية قبْل التمكُّن مِن لغته الأصلية، أوْشَك هذا الذِّهن أن يتنكر لثقافته ودِينه، ويحنُّ إلى ثقافة الآخرين وحضارتِهم، كما هو مشاهَدٌ في متغرِّبي الأمَّة، الذين فقدوا الأواصرَ التي تجمعهم بأمَّتهم، حين فقَدوا – منذُ الصغر – تعلُّقَهم بلُغة الضاد” د.البشير عصام المراكشي

ولذلك فيُمكن القول: إنَّ اهتمامنا بالعربية اليوم هو دعوةٌ إلى ربْط حضارتنا المتلجلجة في مخاضِ انبعاثها العسير، بتلك الأُسس الراسِخة التي قامتْ عليها حضارتُنا الشامخة في تلك الأزمنة الراقية[3].

إنَّ إتقان العربية مظهَر ساطع للارتباط النَّفْسي بالقرون المفضَّلة، في عِلمها وعَملها، في دعوتها وجهادها، في انتصاراتها وإشعاعها الحضاري العالمي؛ لأنَّ العِلمَ بأحوال المقتدَى به أول درجات الاقتداء، والترجمةُ – باللُّغات الإسلامية أو باللهجات العامية المنحرِفة – حجابٌ كثيف يمنَع الفَهْم الدقيق، والتفاعُل الإيجابي المتكامِل.

ثم إنَّ هذا الارتباط المنشود يُصبح أكثرَ حساسيةً، حين يتعلَّق الأمر بنصوص الوحيين، فالمسألة حينئذٍ تُصبح مسألةَ معرفةِ مُراد الله تعالى مِن البشر المتلقِّين للخطاب القرآني، والعِلم بما يطلبه الشارعُ مِن عموم المكلَّفين، وبعبارة أوضح: فإنَّ فَهْم نصوص الكتاب والسنة لا ينفكُّ عنِ المعرفة الشاملة باللغة العربيَّة، التي هي وعاؤهما ومحضنهما.

وبعدَ نُصُوص الوحي، يأتي ذلك التراكمُ المعرفي الهائِل الذي دبَّجتْه أناملُ علماء الأمَّة، عبرَ أكثرَ مِن خمسة عشر قرنًا من الإنتاج الفِكري الدائب، ممَّا لا نظيرَ له في أمَّة من الأمم الأخرى، إنَّ الاستهانة باللُّغة العربية، أو محاولة تخريب أصولِها بدَعْوَى التجديد، تفريط إجْرامي في تُراث حضاري شامِخ، لا يُمكن النهل من معينه الثرِّ إلاَّ من طريق هذه اللُّغة.

ونحن أخيرًا عندما ندعو إلى الوَحدة الإسلاميَّة الجامعة، نؤمِن بأنَّ ذلك لا يكون إلا بإحياء التوحيد اللُّغوي بين المسلمين، عبْرَ وشيجة اللُّغة التي اصطفاها الله تعالى لكتابه، واختار خاتمَ رُسله من أهلها، ويُحرجني كثيرًا أنَّني أحتاج في بعضِ البلاد الإسلامية التي أزورَها إلى الكلام بالإنجليزية لتحصيلِ التفاهُم، أليس مِن الأولى أن تكون الواسطةُ بيننا لغةَ القرآن، التي هي لُغتي الأصلية، ولُغة المسلمين الدينيَّة – إن صحَّ التعبير؟!

وليس معنى ذلك أن نغفل اللُّغاتِ الإسلامية الأخرى، أو نُهمل دورَها الحضاري، ولكن يَنبغي أن تكون العربيةُ محورًا توحيديًّا نابعًا من الإسلام، تتفرَّع منه اللغات الأخرى.

الواقع:

هذه إذًا أهمية اللغة العربية، في التركيب الإجمالي للبَعْث الإسلامي، فأين وصلتِ الدعوة إلى التمسُّكِ بها في واقعِ الأمَّة؟

لا نبعد النُّجْعةَ كثيرًا إنْ قلنا: إنَّ الأمَّة تعيش أزمةً لُغوية خانقة، ليستْ بمعزل عن الأزمة الحضارية العامَّة التي تتخبَّط فيها.

ويُمكننا أن نُجمل الإشكالات اللُّغوية في محورين كبيرين، في كلٍّ منهما مسائل كثيرة، سنعرِضها باختصار، مع إيماننا العميق أنَّ عَرْض كل مسألة منها وتحليلها يحتاج إلى مقالاتٍ متعدِّدة، فضلاً عن مقال واحد.

معاول الهدم الخارجيَّة:

خرَج المحتلُّ الأجنبي مِن بلاد المسلمين بعساكره، وخلَّف وراءَه من ثقافته وحضارته الشيءَ الكثير، وأخطر ما ترَك: لُغته التي صارتْ مِن بعده الأداة الفاعلة للارتباط الثقافي الوثيق بيْن الأجنبي ومستعمراته السابِقة.

ولم تُعانِ اللُّغة العربية قطُّ في تاريخها الطويل مِن ضيم مِثل هذا الذي تُعاني منه بسبب هذه اللُّغات المتسلِّطة على رِقاب أهل القرآن، فقد تحرَّفت بسببها تراكيبُ العربية، وتغرَّبت ألفاظها، وذابتْ أفانين بلاغتها؛ بل فسدتْ أذواق أهلها في الأدب والشِّعر، وفي كلِّ فن مِن فنون القول.

واتَّسع الخرْقُ على الراقع حين تناسلتِ العلوم العصريَّة والتقنيات الحديثة، الوافدة مِن بلاد الغرْب بجحافل مصطلحاتها التي لا تُحصَر، ووجَد القائمون على اللُّغة العربية أنفسَهم في دوَّامة لا تنتهي مِن التعريب، الذي لا أثَر له في الواقع، ممَّا دفَع أكثر المسلمين إلى التخلِّي أكثرَ عن العربية، والتشبث بلغاتِ الغرب.

معاول الهدم الداخليَّة:

وبمقابل هذا الغزو العاصِف من الخارج، وُجِدتْ في داخل البلاد الإسلامية دعواتٌ هدَّامة، تصدر عن مقاصد مشبوهة، وتتدثر بمسوح البحْث العلمي المتجرِّد، مع أنَّها لا تُخفي غالبًا ارتباطها بدوائرِ القرار الاستعماري، فمن ذلك:

  • الدعوة إلى العامية، واستبدال الفصحى بها، وهي دعوةٌ قديمة تصدَّى لها أئمَّة اللغة في العصر الحديث، ولكنَّها تظهر رأسها بين الفَيْنة والأخرى.
  • الدعوة للكتابة بحروف الهِجاء اللاتينية، وإلْغاء الحروف العربيَّة، بدَعْوى صعوبة قواعد الإملاء.
  • الدعوة لتجديدِ قواعد العربية في النحوِ والصرف والعَروض وغيرها، والمقصود هنا دعوات الهدْم المتستِّرة بحجاب التجديد، أمَّا التجديد البنَّاء فمطلوبٌ محمود.
  • الدعوة إلى التيسير في الخِطاب الدعوي[4]؛ لجذْبِ الجماهير الغافلة، ممَّا يُولد لُغة هجينة تُسهِم في تدنِّي الذوق اللُّغوي العام.

ومِن معاول الهدْم الخطيرة الدعواتُ القومية التي تتبنَّى دعوةً عنصريَّة مقيتة، تفرِّق بين المسلمين عَربِهم وعَجمِهم، إنَّ الخلط في الوعي الجَماعي بين دعوتنا النقيَّة مِن شوائب العصبيَّة، وبيْن هذه الدعوات القوميَّة الكالحة، ذات الأبعاد السياسيَّة المشبوهة، يُسيء كثيرًا إلى مستقبل اللُّغة العربية ودَوْرِها في البَعْث المنشود.

التطلعات:

هكذا الواقع كما يبدو للمتأمِّل، مع أنَّ ما أغفلتُه مِن الصور القاتمة أكثرُ ممَّا ذكرتُه!

لكن خطورة المرَض لا تَزيدنا إلا إصرارًا على التحدِّي، بالبحث عن أفضلِ أنواع العلاج، والذي يظهر مِن تدبر الواقع، واستشراف المستقبل، أنَّ العلاج يكمُن في المحاور الآتية:

أولاً:

أنَّ أوَّل ما يَنبغي أن يعتقدَه كلُّ حامل لهمِّ هذه القضية اللُّغوية، أنَّها من الأولويات العُظْمى، وليستْ من قبيل التَّرَف الفِكري، أو الكمال الثقافي، إنها باختصارٍ قضية مصيرية: قضية حياة أو موت مِن الناحية الحضاريَّة، وإذا كان الأمرُ كذلك، فمِن الغلط الشنيع أن يوزَّع عليها فتاتُ الأوقات والجهود[5].

ثانيًا:

أنَّ إحياءَ العربية وإشراكها في البَعْث الحضاري للأمَّة: قضيةٌ إسلاميَّة، يَنبغي أن يحمل لواءَها العامِلون للإسلام مِن العلماء والدُّعاة والإعلاميِّين وقادَة الجماعات والجمعيَّات وغيرهم، ولا يَنبغي أن تُترَك القضية بأيدي دُعاة القوميَّة، فإنَّ إفسادهم في هذا الباب أكثرُ مِن إصلاحهم، وأهل الإسلام أقْدَر مِن غيرهم – لأسباب موضوعية وذاتية – على القيامِ بواجب البعْث اللُّغوي.

ثالثًا:

أنَّ المَجامِع اللُّغوية التي تنتَشِر في أرجاء العالَم العربي، لم تعُدْ قادرةً على تحقيق الأدوار التي أُنيطت بها؛ وذلك إمَّا لقصور ذاتي بسببِ قلَّة انفتاحها على علماءِ اللُّغة المبرزين، واكتفائها في أحايينَ كثيرةٍ بأصحاب الشهادات الأكاديميَّة بقَطْع النَّظَر عن شرْط الكفاءة؛ وإما لقصورٍ منهجي، جعَلَها تكتفي بوضعِ قوائمِ التعريب للمصطلحات الحديثة، في انفصام كُلي عن الواقع اللُّغوي للأمَّة، التي صار كثيرٌ مِن أفرادها ينظُر إلى هذه الألفاظ المستحدَثة برِيبة أو سُخرية.

إنَّ معالجة هذين النوعين من القُصور كفيلٌ بإحياء كثيرٍ ممَّا اندثَر مِن مباهج هذه اللُّغة الكريمة.

كما أنَّ المَجامع ينبغي أن تضطلعَ بدور الترغيب عبْر تبنِّي المسابقات الأدبيَّة واللُّغوية المحكَمة، التي يمكنها أن تُثمِر كتبًا ومقالات ودواوين شِعر، وأبحاثًا لُغوية، في مستوى لُغة القرآن.

رابعًا:

عرَفت الأمَّة منذ عصر النهضة الحديثة مجهوداتٍ كثيرةً في مجال التجديد اللُّغوي، لكنَّ كثيرًا منها ترَك سبيل كلِّ حركة تجديدية ناجعة؛ أي: سبيل تيسير الأساليب، واستخدام التقنيات الحديثة في العَرْض، وتقريب كنوز التراث إلى الجماهير المتعطِّشة للمعرفة، وسلك طريق الهدْم المنهجي للمضمون الزاخِر الذي أظهر كفاءتَه عبْر القرون المتطاولة!

إنَّ تيسير النحو أو البلاغة أو العَروض، أمرٌ مطلوب، لكن على أن يكون بناءً يُرمِّم ما تخرَّب، ويُزين ما أفسدتْه قرون الجمود، لا أن يكون هدمًا واستئصالاً، يَقطع صلةَ حاضر الأمَّة بماضيها[6].

خامسًا:

للتعليم دَورُه الذي لا يجحد في البَعث اللُّغوي المرجوِّ، ومِن أعظم المهلكات الحضارية ما نراه مِن تشتُّت لُغوي ذريع في مدارسنا، يُعاني منه أطفالُ الأمَّة.

إنَّ أذهان الأطفال كالعجين الذي يُمكن أن يُشكِّله المربِّي على أيَّة هيئة يشاء، فإذا حُشي باللغات الأجنبية قبْل التمكُّن مِن لغته الأصلية، أوْشَك هذا الذِّهن أن يتنكر لثقافته ودِينه، ويحنُّ إلى ثقافة الآخرين وحضارتِهم، كما هو مشاهَدٌ في متغرِّبي الأمَّة، الذين فقدوا الأواصرَ التي تجمعهم بأمَّتهم، حين فقَدوا – منذُ الصغر – تعلُّقَهم بلُغة الضاد.

ينبغي أن يتحرَّر التعليمُ في بلداننا مِن عقدة اللُّغة الأجنبية، التي خلَّفَها المستعمر وراءَه، وترَك معها سَدنةً يقومون بواجبِ المنافحة عنها، وتعبيد السُّبل أمامَها إلى أذهان الناشِئة.

سادسًا:

إنَّ على الدعاة الذين يَنهدُون بأعباء نشْر كلمة الإسلام، وتبليغها إلى القلوبِ والعقول، أن يَجعلوا من العربيةِ السليمة مِن أوضار العُجمة وسيلتَهم الأولى في خِطاب الجمهور، لا يَعْدِلون عنها إلى العاميات المبتذلة التي تُفرِّق ولا توحِّد، إلاَّ لضرورة معتبَرة، أو حاجة متيقَّنة.

أليس غريبًا أن تجِدَ الفضائيات الإسلامية تعجُّ بألوان مِن العامية، التي تُؤذي الآذان والعقول، وتَمْسخ الوعي الفِكري، بدلاً من أن تكونَ منارةً لنشْر العربية، وتعليمها وحثِّ الناس على حبِّها والتعلُّق بها، كما يتعلَّق الغريق بطوقِ النجاة؟!

لِمَ لا تتبنَّى هذه القنواتُ برامجَ منهجيَّةً لتعليم العربية لغير العرَب من المسلمين، وللعرَب بالنسب دون الثقافة، كما تتبنَّى الوعظ الجماهيري، والتربية العامَّة؟!

سابعًا:

تميَّز عصْر النهضة الأدبية الحديثة بصدور مجلاَّت أدبيَّة ولُغوية سامقة، تبنت جمعًا من كبار الأدباء والباحثين، بثُّوا في الأمة ثقافةً عربيةً رصينة، ما يزال أثرُها غضًّا طريًّا، إنَّ مِن أعظم ما ينبغي العناية به: خلْق مجلاَّت لُغوية وأدبية دورية ومُحكَّمة، تقتنص الأدباء المتمكِّنين، واللُّغويين المتمرِّسين، وتنشُر لهم ما تجود به قرائحُهم، فتنتشلهم مِن حمأة الخمول الذي تردَّى فيه أكثرُهم، ومِن ذلِّ الهجران الذي يلقونه مِن معاصريهم، حتى صار كثيرٌ منهم يكتبون ولا ينشرون؛ فتضيع مواهبُ زَكيَّة، ومقدَّرات عليَّة.

لقد تعِب مثقَّفو الأمَّة الرصينون مِن هذه الدوريات التي تنشُر الأدب الحداثيَّ الذي لا يكاد يُفهَم، والدراسات اللُّغوية التي تهدِم لذات الهدْم، وتتنكر للقديم؛ لأنَّه قديم!

وإذا كانتِ المجلات تُعاني من همومِ النشر، بسبب غلاء أسعار الطباعة، وقلَّة ذات يد القارئ العربي، فإنَّ كثيرًا من أصحاب الأموال الغيورين على لُغة القرآن لا يُمانعون في تبنِّي مِثل هذه المشروعات العظيمة، ثم إنَّ في النشر على الشبكة العنكبوتيَّة – إذا رُوعيت فيه ضوابطُ الجودة – ما يُفرِّج كثيرًا مِن هذه الهموم.

هذه بعضُ المقترحات التي يكفُل الأخذ بها – بجدٍّ وحِرص – أن يُعيد للعربية مجدَها، ويجنِّدها مِن جديد؛ لتشارك في البعثِ الإسلامي الشامِل.


[1] الاعتناء باللُّغة كان – ولا يزال – قاسمًا مشتركًا بين كل الدعوات إلى إحياء الأُمم والقوميات، ولا يَعرف التاريخ أمَّةً انبعثت من رقدتها وهي ترطن بلغات أعدائها وخصومها، وهذه دولةُ اليهود في فلسطين أَحيتْ لغة ميِّتة غير متداولة هي العِبرية، لا لشيءٍ إلا لإيجاد اللحمة الجامِعة بين أشتات المهاجرين اللُّقطاء!
[2] أقصد باللُّغات الإسلاميَّة تلك اللُّغات التي حملتها إلى دائرة الإسلام شعوب غير عربيَّة، كان لها في الإسلام قدمُ صِدق لا يتمارَى فيه؛ كالفارسية والتركية والكردية والبربرية، ونحوها، وهي كلها لغات بينها وبين العربيَّة علائقُ تأثير متبادلة لا يُمكن جَحدُها.
[3] ولا نحتاج إلى التنبيهِ على أنَّ المراد بذلك الربط توثيق العُرى الفكرية؛ لتمثل الصواب في العقائد والأفعال، مما يتجاوز حدودَ الزمان، وليس المراد قطعًا الجمود فيما يكون الأصل فيه الحرَكة التجديديَّة الدائبة.
[4] المطلوب مِن الداعية تعليمُ الجماهير ورفْع مستواها الفِكري، دون أن يقَع في مزلق الخِطاب النخبوي المتخصِّص، والمُشاهَد اليوم نوعٌ من التيسير المجحِف باللغة والفِكر، يسفُّ فيه الداعية إسفافًا بالغًا، بدعْوَى الهبوط إلى مستوى الجُمهور.
[5] درَج علماءُ الشريعة قديمًا على جعْل تعلم العربية أوَّل ما يبدأ به الطالب بعدَ القرآن؛ بل ذهَب جماعة إلى تقديمِ العربية على القرآن؛ لأنها أداة فهْمه، هذا في زمنهم الذي لم يكُن للعربية منافِسٌ معتبر مِن اللغات الأجنبية، فكيف يكون الحُكم في زماننا؟!
[6] للدكتور محمَّد محمد حسين كلامٌ طيِّب في إنكار هذه الدعوات الهدَّامة، نقله صاحب “أعلام وأقزام”(468/1-470).

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى