خواطر تاريخية ح1 خلافة أبي بكر رضي الله عنه
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا في دولة الإسلام ثلاث فئات من المسلمين:
ــ أولها أهل المدينة المنورة ، ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم عشر سنين .أكسبهم علما بالدين وتربية عظيمة بالمعاشرة والقدوة والمواقف والأحداث.
ــ والفئة الثانية من دخلوا في الإسلام بعد حربهم ضده وتسلطهم على أهله إيذاء ومكابدة وقتا طوبلا نسبيا ، لكنهم خضعوا له في النهاية ،وهؤلاء عندهم العلم بالإسلام بشكل عام ، لكنهم لم يفوزوا بمصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة تكسبهم ما فاز به أهل المدينة من تربية . وسمي هؤلاء بالطلقاء ، إشارة إلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بعد فتح مكة ، وقوله لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ــ والفئة الثالثة هي قبائل العرب المنتشرة وتجمعاتهم الصغيرة والمتباعدة في الجزيرة العربية ، وهؤلاء من سموا بالأعراب . ولا تمتاز هذه الفئة بعلم أو تربية ، إلا نفرا قليلا من القبائل ارتحل إلى المدينة وانتفع بالعلم والعمل الصالح .
من الصنف الأول ظهر حكام الدولة الأوائل ، الخلفاء الراشدون ومن عاونهم من كبار الصحابة وأبناؤهم وتابعوهم . بينما حكم الدولة بعدهم من ينتمون إلى الطلقاء ، وهم خلفاء بني أمية .وظهر من الأعراب الخوارج ، وكانوا حربا منهكة على كل دولة .
أما كبف بدأت دولة الخلفاء الراشدين فهذا ما تعرضه السطور القادمة :
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينص صراحة على اسم للخليفة من بعده .
ولخطورة الأمر على الإسلام ومستقبل المسلمين انشغل بعض الصحابة عن تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم ودفنه بالبحث في هذا الشأن .
هؤلاء كانوا الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج . كان بينهما في الجاهلية عداء ودماء وثارات ، ولم ينقذهم من كل هذا إلا الإسلام ، وفي هذا نزل القرآن الكريم : {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)} [الأنفال: 63]
استشعر هؤلاء الأنصار ما كانوا فيه وما صاروا إليه من أخوة ومحبة فيما بينهم ؛ ولذلك عقدوا اجتماعا في حديقة تسمى بـسقيفة بني ساعدة ، وتشاوروا حتى انتهى بهم اجتهادهم إلى انتخاب سعد بن عبادة رضي الله عنه .
علم المهاجرون بذلك وعلموا أن هذا الإجراء سيضر بالإسلام والمسلمين وبالدولة ، لأن بقية العرب لن يرضخوا لحكم أحد من خارج قريش التي كانت لها السيادة الدينية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وتأكدت هذه السيادة بانتسابه صلى الله عليه وسلم لها ، هذا إن كان العرب سيقبلون بالخضوع أصلا ً !
بعد مناقشات في السقيفة اتفق المجتمعون على تولية أبي بكر الصديق وبايعوه على ذلك ، ثم انتقلوا إلى المسجد في اليوم التالي وبايعه المسلمون بيعة عامة .
قد يرى البعض أن اجتماع الانصار أولا كان شرا محضا ، والأمر في اجتهادي الضعيف ليس كذلك ، فالقوم نيتهم خالصة ، ولم يقصدوا تسلطا على الناس بما فعلوه ؛ والدليل أنهم نوقشوا واقنعوا فعادوا للصواب وارتضوا خطة المهاجرين . لكنهم باجتماع السقيفة أرسوا مبدأ النظر للمصالح والمفاسد أولا ، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الضيقة ثانيا .
رضي الله عن الأنصار ؛ فما أجلّ عطاءهم ! وما أجمل مثاليتهم !