أدبقصة

لأني أحبك

هولندا

انطبعت روح الطفل الصغير الذي لم يجز التسع سنين على رحلة يومية جميلة مع والده هناك، اعتاد أن يسير خلف والده، ممسكا بكتيبات جميلة بسيطة، فيها صكوك غفران لمن يريد أن يمسك بتلابيب عيش أبدي رغيد. كان يسير بها خلفه، وهو يعلم أنه يطوي كفيه الصغيرة على مناديل رحمة، تمسح عن عيون الزائغين دموع الحياة، وتتخلل برائحتها أرواحهم لتنشئها خلقا آخر.

كان يقف أمام كل بيت، ويطرق الباب، فإذا انفرج الباب وأبان عن أحدهم؛ نظر إليه الطفل ببراءة عفوية ارتسمت على وجنتيه، ثم يقول مبتسما لمن خرج إليه:
(لأني أحبك أهديك هذا الكتاب) ثم يمضي ولا يكثر.

كانت كتيبات جميلة، صغيرة، بسيطة. ولكن هذا الطفل يدرك تماما أنها تختصر مسافة عرضها الحياة، لتفضي بعدها إلى جنة عرضها السماء والأرض.

اشتد البرد في هذا البلد الثلجي، وتجمدت أطرافهم مع أطراف الحياة هناك، واستعصى البرد القارس على كل المعاطف. مكث الرجل بالبيت. نظر الطفل إلى أبيه قائلا:
– يا أبت، لم لا نخرج اليوم؟
– أَوَلَا تري يا بني شدة البرد القارس
فأجاب الطفل بفطرة نقية بيضاء: قل نار جهنم أشد حرا.
فخرجا ..

جعل الطفل مع أبيه يوزع الكتيبات على البيوت، حتى بقي كتيب واحد. نظر إلى بيت ناءٍ وقرر أن يذهب إليه. وقف أمام الباب يطرق ثم يطرق ويطرق. فخرجت عجوز شمطاء. مد إليها يده الصغيرة وهو ينظر إلى عينها وقال:
(لأني أحبك أهديك هذا الكتاب). وانصرف.

بعد بضعة أيام، وأمام المركز الإسلامي وقفت امرأة عجوز متوارية خلف ملابسها تنادي فخرج إليها أحدهم، فقالت له:
– أين الملاك الصغير ؟
فنظر إليها وحار جوابا فتابعت المرأة قائلة:
– كنت وحدي بالبيت، وكان زوجي الذي عشت معه على النصرانية عمرنا كله قد مات منذ عشرة أيام وتركني وحيدة فجزعت على فراقه، وقررت أن ألحق به ، فهيأت كل شيء. أسدلت حبلا من السقف، وعقدته لأدخل فيه رأسي وأشنق نفسي، وأحضرت الكرسي وصعدت. وقبل أن أفعل طرق الباب فلم أعبأ، فازداد الطرق واستمر، فنزلت وفتحت، فوجدت طفلا صغيرا يمد إليّ يده، ويهديني كتابا ويقول: (لأني أحبّكِ).
فتأثرت كثيرا لقوله ومنظره، وأخذتُ الكتاب، فتحتُه وجعلتُ أقرا سطرا بعد سطر، حتى انتهيت، وأسلمت لله رب العالمين، ومازلت مع عائلتي منذ أيام أرغّبهم حتى أسلم منهم أحد عشر نفسا.
إنه الملاك الصغير، فكم أحبه!

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى