أدبنثر

لسعة شوق

الحب.. حينما يتدثر برداء الحنين ويغمسه الشوق في لجة الوجد والأنين يستحيل إلى مشاعر صادية تستجدي السقاء، وإلى عصف وجداني حثيث. يمضي طاويا، ولسعة عشق متأوهة، تتوارى خلف أكمات الهوى كأنها مستجمعة للوثوب. إنها الروح في هديرها وهدوئها حينما تشاكل إلفها فتقتفيه أثرا، لتحملها أكفُّ المنى نورا إليه. وإنه القلب حينما تصطكُّ أمواجه ببحار الجوى، وترتمي صاخبة على شطآن الحنين، وما تلبث أن ترسو تباعا آمنة مطمئنة بين يدي من تحب، مدفوعة برياح شوقه، لتُسكب عبيرها على وهاد البعاد.

وإنها لتنساب في سكينة وهدوء وهي تشق لها بين الغمام دربا أنّى للأيام أن تمحو معالمه، فيسير شراع الحب مشرقًا أبيضَ يتهادى بين العباب يحدوه الشوق إلى من يحب، وتحركه بوصلة الهوى العذري نحو فؤاد محبوبه فلا يرى غيره طوق نجاة. ثم إنه تنضوي إليه خطاه التائهة متحديةً مطاوي البين نجمًا ما أرهقته الظلمات ولا أحنته الطرقات.

حتى إذا ما آذن الهوى بوصل، وقارَب المسيرُ الغايةَ، ارتمى المحب بأنينه وحنينه وشجونه وجنونه على أعتاب حبيبه نبضاً مرهفاً ينزف شوقا وعشقا ولوعة وجوى وقد شفّه الهوى وأضواه.

في هذه البقعة المأمولة، يحلو التناجي وتقتنص العين – قبل الأذن- كل لفظة حانية مسترخية. تتحرك بها الشفاه المستهامة قبل أن تصل إلى معاقد السمع فما أجمل أن نفيء من حرارة الدنيا إلى ظل قلب وارف ينبري في نقش معالمنا على جداره. ويبقى تَشْرابُ الحنين ولوعته يتصببان ندى معقودا منه ليروّي بفيض وجده منابت الهوى، فيشتد عوده على سوقٍ أدركتْ تماما ما قد هيّأت له. إذْ هيأت لاحتلال القلب يشبههُ في الحرب – إن هُيّجَت – رمي المجانيق.

إن حبا كهذا يستحق لقب القوة الناعمة لأنه قتل بلا دم، ونزف بلا وريد، وعطر بلا ورد يملأ روض الوجود.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى