أدبشعر

الفيض المحتفى من كوثر المصطفى

أودى بــيَ الـتـيه أم تـاهتْ بـيَ الـسُّدفُ

كــــلّ الـمـسـالـك إنْ أقـبـلـتُ تـنـصـرفُ

أكـــلّـــمـــا ودّع الـــلـــيــل الــــتّــــلال أرى

أكــتـافَـهـا بـــظــلال الـــهــمّ تـلـتـحـفُ؟

نـبـضـي يـسـابـقني مــلءُ الـيـدين جُــذاً

وســـارِيـــان مـــعـــي الــلــيـلُ والأســـــفُ

لا ســقـفَ لا أرضَ لا أنــحـاءَ تـشـمـلني

قـيـل اتّـئـدْ ! قـلت لا أمـضي فـلا أقِـفُ

مـــتــن الــمـشـقّـة كــــم طــوّعـتُـهُ دَأَبــــاً

نــحـو الـسـمـوّ وإنْ يـجـتـاحني الـتّـلـفُ

الأمـنـيـات لــئـنْ شـاخـتْ مــددتُ لـهـا

عُـكّازَ بـشرى لـكي يـقوى بـها الـشّغفُ!

دوّى نـــــداءٌ وأحــيــا صــمــتَ أقـبـيـتـي

:الـقـابـضون عـلـى جـمـرِ الـوفـاء كُـفـوا

يـا كـوثرَ الـنورِ كـم فـي الـنفسِ من ظُلَمٍ

هـل لـي بـفيضٍ من السلسال أغترفُ؟

قـيـل الـتـمسْ قـبـساً مــا دونـهُ حُـجُبٌ

إلا احـتـجـابك إذ يُـــزري بــك الـسّـرفُ

طــرقـتُ بــاب الـرّجـا والـكـفّ راعـشـة

إذا بــأحـمـد يــزجـي ركـــبَ مـــنْ زلَــفـوا

ورُحـــتُ أتـبـعُ خـيـط الـنّـور فــي لـهَـفٍ

إذا بــــبـــكّـــةَ مِـــشـــكـــاةٌ و مُـــــزدلَــــفُ

أكــــــان مـــولـــدُهُ أم كـــــان مُـنـعـطَـفـاً؟

أقــــامَ فــيــهِ ســبـيـلاً بــــاتَ يُـعـتَـسَـفُ

مــا عـلـمُ آمـنـةٍ فــي شــأنِ مــن حـملتْ

هـل كـان يـعلم مـا مـكنونه الصَّدفُ؟!

لـــكـــنّــهـــــــــا  رأتِ الآيــــــــــاتِ  نــــاطـــقـــــــةً

ســـنــاً يـــعــمّ و نـــــاراً مــنــه تـنـكـسِـفُ

عــلــى لــقــاءٍ وكــــان الــشـوقُ مــوعـدهُ

فـــالأرضُ شـاخـصةٌ والـكـونُ مـلـتهفُ

مـــن كـــوّة الــغـار شــعّ الـفـكرُ مـؤتـلِقاً

يـحـرّرُ الـخـلق مِــنْ جـهـلٍ ومـا رسَـفوا

وكــانـت “اقـــرأْ ” حِــراءٌ: كــان مـدرسـةً

أولـــى ومـــن جـنـيـها الأفـكـارُ تُـقـتطَف

ضــــدّان مـــا اجـتـمـعا غــيـظٌ و قـافـلـةٌ

أيحبس المدّ -إذ يغشى المدى- جرُفُ

يــاعــمّ! مــــا بــذلـوا شـمـسـاً ولا قــمـراً

يــــدٌ تــعِــفُّ وقــلــبٌ لــيــس يـخـتـلِـفُ

فـــي الـشِّـعـبِ أمَّ وكــان الـصـبرُ فـاتـحةً

وأمّـــنـــتْ خــلــفـه الأرزاءُ والــشــظـفُ

مـــحــمــدٌ ولـــــــهُ بـــالــقــدس آصــــــرةٌ

لــــولا الــبــراق عــــدا لاقـتـادهـا اللهفُ

مَــــــنّ الإلـــــهُ وقـــــد أدنـــــاه سِـــدرتَــهُ

فــراح يـرقـى إذِ انـجـابتْ لــه الـسّـجفُ

دنـــا الـمُـحِـبُّ إلـــى الـمـحـبوب مـرتـبةً

مِــن قــاب قـوسـين إذ يـرقـى و يـزدلفُ

إن يُـــخــرجــوه فــــــذي روحٌ مــعــلّـقـةٌ

كـــمــا مـعـلّـقـةٌ فــــي نـخـلـهـا الــسّـعَـفُ

بــطــحـاء مــكــةَ لــمّــا بــــان أشــهـدهـا

أن الـعـقيدة تـقـضي بــذلَ مــن عـرَفـوا

تــوضّــأ الــرمــلُ مــــن أنــــداء خـطـوتِـهِ

الـــريـــحُ وادِعـــــةٌ والــلــيـلُ يــعـتـكِـفُ

يـــــا لــيـتـنـي غــيــمـةً ظــلـلـتُ مــوكـبـهُ

فــإنْ ظـمـئتُ سـأدنـو مـنـه أرتـشفُ

يـا أمّ مـعبد هـل ركْـب الـحبيب نـأى؟

إنّــــي الـبـعـيـدُ ويـدنـيـنـي لـــه الـشـغـفُ

قـالـت: و أبـلـجُ تـسـقي الـصّبحَ نـضرتُهُ

كــأنـمـا الــصـبـحُ مـــن عـيـنـيه يـغـتـرفُ

وأدعــجُ الـعـين، يـسري الـناسكون بـها

أزجّ ، أقْــــــرَنُ فــــــي أشـــفــاره وطَـــــفُ

إنْ رمْـــــتَ طـلـعـتَـهُ فــالـبـدر يـغـبـطـهُ

أو شـــئــتَ مــنـطـقـهُ فـــالــدرّ يــأتـلِـفُ

أســائـل الـــوردَ هـــل تـهـفـو لِـوجـنـتِه؟

فــيُـطـرقُ الــــوردُ حــيـنـاً ثـــمّ يـعـتـرفُ!

لا زال يــهــتـزّ ضـــــرعُ الـــشّــاة مُـكـتـنـزاً

مِـــنْ بــعـد لـمـسته مــا مـسّـها عـجَـفُ

تـبـعْـتُـهُ وعــلــى أهــــداب يــثــرب مـــن

شــوق الـلـقاء، تـلاقـى الـسعيُ والـهدفُ

مــــــن الــثــنـيّـة بــــــدرٌ طـــالــعٌ وســـنــا

تــكـاد مـــن ضـوئـه الأبـصـار تُـخـتطَفُ

آخـــى الـقـلـوب ونــقّـى مــن سـخـائمها

مــا غـرْسُه الـحبّ لا يـنمو بـه الـجنفُ

فـــي رقّـــة الــعـود إنْ هــبّـتْ فـضَـوْعَتُهُ

وعــاطِـفٌ إن تـمـادتْ لـيـس يـنـعطفُ

لا يــقـبـض الــكـفّ إلا والـحـسـام بــهـا

مــــا زال يــبـسـطُ حــتــى مُــزنـهُ تَــكِـفُ

أكـــــان قــلـبـيَ حــــدّ الــجــذع قــسـوتـهُ

جِــذعٌ يـحـنّ، وقـلـبٌ غـالَـه الـصـلفُ؟

أم كـالـحصى ؟ لــجّ بـالـتسبيح فــي يـدهِ

هــدىً وفــي كـفّـهِ الإحـسـانُ والـلـطُفُ

بَــــرٌّ يــعــزّ عــلـيـه الــنــاس مــــا عَـنـتـوا

شــهــمٌ صــــدوقٌ كــريـمٌ لـيـنُـهُ الأنَـــفُ

لــلّــه قــلـبُـك! يـــوم الـفـتـحِ مُـطـلـقهم

أمــــا بــمـكّـة خــصـمٌ مــنـه تـنـتـصفُ؟

كـــلّ الـمـطـالع بـــدرٌ مُـــذْ ســريـتَ بـنـا

والــــدربُ دونــــك بـــالإدلاج مُـكـتـنفُ

يــــا مــــن تـخـلّـق بـالـقـرآن عـــاش بـــهِ

أحـــارُ مـــن أيّ روضٍ مــنـك أقـتـطـفُ

ويـــــــا يــتــيــمـاً بـــــــراه اللهُ خــــيـــر أبٍ

كَـمُـلْـتَ مـعـنىً، ومـنـك الـبـاء والألِــفُ

“هـــوّنْ عـلـيـك”! وكـــفٌّ جِــدّ حـانـيةٍ

لــمــن أتــــاهُ مــــن الأعــــراب يـرتـجـفُ

يــتـلـو “فــكـيـف إذا جـئـنـا” فـيـجـهشُ

أمــتـي! فـيـدعـو وجـــادتْ أعــيُـنٌ ذُرُفُ

لأُمّـــــةٍ ظــمــئـتْ والـــمــاءُ فــــي يــدهــا

تـلـهـو وتـعـجـبُ أنّ الـــدرب مُـنـحرفُ

مــــددتَ حــبــلاً إلـــى الـرحـمـن آخـــرهُ

فــمُــعـرضٌ أوفـــنــاجٍ خَـــــفّ يــلـتـقـفُ

فــمــا يــقــولُ نــظـيـرٌ مــــن أبـــي لــهـبٍ

وشــانــئٌ إذْ عــلـى الـنـيـران قـــدْ وُقِــفـوا

هـــذا فـــؤادك نــهـج الــرسـل حـيـزَ لــهُ

إرثــاً فـمـا يـرتـجي مــن دونــك الـخـلَفُ

أهــديـتـنـا الـــــرأيَ فـــــي رشـــــدٍ يــزيّـنـهُ

وفُـسـحـةُ الـفـكـر أنّ الـفـكـرِ مُـخـتـلفُ

مَــنْ شــدّ مِـنْ طـرَفٍ أو مـاع فـي سـرَفٍ

جــفـا عــن الــدربِ مُـنـبتٌّ و مـنـحرفُ

يــا مـعـجز الـخلق هـذا الـنظم شـاغَلهُ

مـن طـيب ذكـرك نـشْرٌ فـوقَ ما أصفُ

ومـــا أُطِـــلّ عــلـى الـعـلـياء مـــنْ صِـفَـةٍ

مـــن كُــنـه ذاتـــك إلا طـالـنـي الــشـرفُ

ومـــــــا ذكــــرْتـــكَ إلا والــلــســانُ نَــــــدٍ

جـفّ الـمدادُ ومـا جفّت بك الصّحفُ

لــئـنْ تــجـرّأْتُ عــنـدي بـعـض مـعـذرةٍ

إذا كــتــمـتُ تـــمــادى قــلــبـيَ الــكَـلِـفُ

يــا سـيـدي! وأنـا الـملهوف خُـذْ بـيدي

يـخـضـرّ بــيـن نـــداك الـــودّ، والـكـنَـفُ

ربّـــــاه هـــأنــذا نــفــسٌ تــفـيـضُ أســــىً

شــوقٌ يـعـنّ و قـلبٌ فـي الـحشا يـجِفُ

هـــذا الـقـصـيد! وقـصـدي وِردُ كـوثـرِهِ

هلْ لي بسقيا ويُكفى العاشقُ الدّنِفُ؟

مــهــاجِـرٌ لـــــم تـــــزلْ تـــــزورُّ راحــلــتـي

أرجــــو الــجــوارَ وإنْ يــنــآدُ بـــي كــتِـفُ

إلــــى جــــوارِ رســــول الله فــــي غُــــرفٍ

مـبـنـيّـةٍ رُفــعــتْ مــــنْ فــوقـهـا غُـــرفُ

عـلـيـه مِـــن صــلـوات الله مــا اتّـقـدتْ

فــي الـقـلب لاعـجـةٌ، واهـتـزّ لـي طَـرَفُ

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى