أدبقصة

ضياء اللذة

الهجعة الليلية التي يستلزمها الجسد، وتسبح روحي في فضائها، لا أعرف كينونتها، سوى تلك الأخذة التي تجذب روحي، من عالم الأحياء، والحركة والثرثرة، إلى سُبات الجسد. هل الروح تسكن أيضًا؟ لا أذكر، من هجوعي – في ليلتي تلك – إلا هذا التماوج الذي عايشته، وجوهًا، نعم.. نعم..، لمن أعرفهم، أحبهم. أبي، أمي، جدي، كانوا يبتسمون لي، يضحكون، تمدّ أمي يديها لي.

أُفْعَمُ بنشوة وراحة، لذةٍ أستشعرها، وكأن خلاياي تنطلق في ملكوت سرمدي.
هدأة الليل، النفوس، هل تسكن الأرواح؟
أضع المفتاح في باب المسجد، أضغط زرًا فيتوهج مصباح. آيات القرآن، تنساب بحنجرتي، رطبة، والفؤاد عائم.
أصدح بالآذان. يأتي عم عبد الرزاق:
– صوتك خافت اليوم يا عبد الحميد؟!
– إنه مثل كل يوم.
يتفحصني بعينيه، يصمت، ويترنم بجواري بأوراده الصباحية. قلتُ:
– ماذا بك؟
تطلع نحوي، عيناه غائمتان:
– أنتَ ماذا بك؟
صمتي، قلبي منتشٍ. يردف:
– سلّم عليهم.
– ……………؟ !
غاص في تسبيحاته.
اصطففنا للصلاة. قالوا لي وهم يصافحونني أمام المسجد:
– أطلتَ السجود كثيرًا؟!
– أخذني الرجاء.

استيقظتْ أختي، وأنا ألج البيت. قالتْ:
– صبحك الله بالخير.
– الخير كله لكِ.
– ستفطر؟
– ……………..
تحركتْ، متحسسةً ما حولها، تحفظ أركان البيت، انزويت في غرفتي، خرخشة يديها وهي تغسل الآنية، وتحرّك الوابور.
استلقيتُ على الكنبة، أسندتُ رأسي، النشوة تتجاذبني، تغرقني، كانوا يبتسمون، ابتسمتُ، أسبح في طاقات نورانية، أتحرر من ربقة الجسد، أتلاشى، الملكوت يسعني، أصافحهم.

– عبد الحميد ! الفطور..
أكرر مناديةً عليه، لا يحلو الفطور إلا به، سيحكي لي عما ينوي فعله اليوم، أتحسس الخبز الساخن، وطبق الجبن القريش والعسل..
– عبد الحميد! قم، الفطور..
أخذه النوم؟ أتحرّك، أدفع باب الغرفة، صوت خطوي يطرق أذني.
– عبد الحميد، قم يا أخي..
أتحسسه. صمتي. الجسد نصف بارد، جبهته تترقرق بعرق متجمد.
– فعلتها يا عبد الحميد؟ فعلتها.. !
الوحدة تتماثل أمامي، أودُّ الصراخ، أصرخ، الصوت بلا صدى. الخواء في أعماقي.

الضجيج والزحام. الناس متجمعون أمام المنزل.
– كان لا يزال في عزه.
– صلّى بنا.
آخرون في ركن وهم جالسون على المقاعد الخشبية المستأجرة:
– لم يتزوج، وعاش من أجل أخته الضريرة.
– ربنا أعطاه من التجارة كثيرًا.
– يده لم تخرج فارغة من جيبه.
النسوة متشحات بالسواد. يقلن:
– عجيبة أخته، لم تنحْ عليه، فقط الدموع، ولا حتى صرخة!
تقول أخته:
– ظننته نائمًا على الكنبة كعادته وهو يسبّح، سبقتني، وفعلتها، كنتُ أمني نفسي بأنك لن تفارقني، وأنا أكبرك في السن، وستحملني إلى …
عم عبد الرزاق المطرق تحت شجرة الكافور، أمام البيت:
– شفتُ البشرى في عينيه، عقبا لي.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى