أدبقصة

لحظات من عمر الزمن!

ليس من السهل أن يغمركما شعور بالألفة بين بضع مئات من البشر يجمعكم مكان واحد!
أن تجمعك صالة مطار دولي تضم آلاف البشر من جنسيات عدة بها وجهًا لوجه، فتجد نفسك كرجلٍ أربعيني رزين منجذبًا ومفتونًا ومشدودًا إليها إلى الدرجة التي تجعلك تقلب كل خططك رأسا على عقب، وتغيّر حتى وجهة سفرك الدولية تلك!
وتجد نفسها كامرأة وقورة يصفونها في محيط عملها بالمرأة الحديدية تشعر بكل هذه الألفة تجاهك!

ثم يحدث كل شيء بعد ذلك بسرعة مذهلة مجنونة! عالمهما ليس فيه مجال للنزوات النزِقة، أسباب الانضباط في حياتهما مختلفة باختلاف الظروف والدوافع، لكنهما منضبطيْن إلى حد من مثالية وتقشف على كل حال.

وجد نفسه يلغي رحلة سفره ويبادر بطلب تأشيرة دخول دولتها، ليجدها في استقباله المترع بالسعادة بعد عدة أيام!

الجميع تهامس بجنونهما معًا، إلا صديقة سبرت أغوارها من قبل قالت:
– لا مبرر لكل هذا سوى أنه سحركِ سحرًا حقيقيًا لا مجاز فيه.
ضحكت بعذوبة وهمست:
– هو أيضًا يلقبني بالساحرة
لم يكن فيما حدث شيء خاطئ، لكنه ظل خارجًا عن المألوف والمنطق، وربما العقل!
همست وهي تدفن رأسها في صدره تحتمي به من نفسها:
– حلمت كثيرًا بهذا الكم المجنون من السعادة. رغبْته، اشتقت إليه. دائمًا آمنت باستحالة تحقيقه. أنت حققته لي. أخذتني إلى روضة من رياض الجنة، رغم بقائنا على الأرض التي عليها نحيا.
احتواها برقة وبرجفة أخافتها من تشبثه بها. طبع قبلة حانية بين عينيها. أضافت بصوت متكسّر بعدما ارتجف جسدها من فزع مفاجئ:
– أعرف أنني سأفقدك. سأفقد نفسي التي لم أعرف حقيقتها إلا معك. ما باليد حيلة، رغم كل شيء نحن نعيش في مجتمع لا مكان فيه لجَنّة على الأرض.. لا بقاء فيه لحبٍ مجنونٍ خارقٍ للعادة.
ظل يعبث في شعرها كمن يداعب طفلته في المهد، بللت دموعه وجنتيه في صمت. استمر رنين هاتفهما المحمول دون انقطاع معلنًا رفض العالم لاستمرارهما معًا.

جمع أشياءه القليلة وانصرف، فقط أبقى لديها قلبه وبقايا روح.

في انتظار طائرة العودة، كتب لها عبر هاتفه رسالة: “كنت أدرك كل هذا، رضيت بأن أختطف لحظات من عمر الزمن، أحيا فيها إنسانًا بقلبٍ ينبض وروحٍ تحس. لم أطمعْ في أكثر منها، فتلك اللحظات كانت المستحيل ذاته. ومع ذلك أحترم قراركِ بأن الزمن ليس ملكًا لنا ولا يحق لنا سرقة بعض لحظاتِه. دمتِ بخيرٍ وعذوبة.”

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى