رحلة الأمل
إنه لمن الأمور الجليلة التي تنفعك وتدعوك للسعي قُدما والترقي في سلم المراتب، وتساهم العناية بها في الحفاظ على جذوة الأمل مشتعلة في جنانك، متقدة في شغاف قلبك: حسن الفكر في جوهر الحياة وسر وجودها، وجودة النظر فيما تكتنفه من دروس وعبر، وعمق الرؤية لها ولاتساعها الممتد، والتأمل في احتواء صورتها بكل مفرداتها، واستنطاق الحكم المتجلية في كل ذلك من واقع الناس ومعاشهم.
ومما يضيق بعطن الصبر في النفوس ويؤزمه، ويحجر واسع التفاؤل ويخنقه، ويطفئ شعلة الرجاء في المستقبل: النظر للحياة من جهة واحدة فقط، ومن زاوية محدودة منفردة، وذلك ما يورث نقصًا في عدالة الرؤية لسيرورتها، واختلالا في ضبط ميزان الفكر في حركتها واعتداله، وكذا يورث قصورًا في احتواء شمولية سنة تكامل جزئياتها المؤتلفة من أقدارها المتباينة خيرًا وشرًا، من فرح وترح، عافية ومرض، منح ومحن، غنى وفقر، ونحو ذلك مما تجري به كونية مجريات الدنيا باختلافاتها المتباينة حينًا، المتناقضة حينًا.
فقد تحيا أركان روحك وجنباتها، وتنتعش أنفاسك المتعبة، وتقر عينك بترقب الأمل، وتنهل الصبر على مجريات الحياة دفّاقًا من موارد ذاك الأمل المتجدد مع كل إشراقة يوم، فتعيش زبدة عمرك كذلك حتى يحين طي بساط دنياك وأنت على أفضل حال وأمثل سبيل، وقد نلت سعادة سريرتك، وفزت براحة فؤادك، واستقرار بالك.
أو أن تتكبد حِمل عناء الأيام الممتدة والليالي المتطاولة ووزر آلامها المنهِكة فكرًا وواقعًا. فتنصدع منك الهِمم وتخور العزائم، فيعلو ناصيتك الهمّ، ويتملكك الغمّ، بركونك لضرب الطوارق المتلاحقة، وإسلاس قيادك لمجريات الصرفان المتباينة لتتحكم بك وتصوغ كيانك وتحور بتقدم ذاتيتك القهقرى.
فاختر لنفسك أي السبيلين تنيط بها قرارك وتعقد عليها مستقبلك، فأنت وحدك المسؤول عن نفسك.
فإن أحييت للمستقبل عزيمتك، وبذرت همتك في بسيط حلمك، ورويتها بصيب الرجاء المبارك، واستوقدت منك جِدة نشاطك، وامتطيت جواد رحلتك الجديدة: فاعلم أن كل شخص منا هو أعلم بقدراته، وأدرى بطاقته وسعته، ولن تُعدم يا صديقي التوفيق في مجال مما يزخر به محيطك أن ينسجم معه كيانك وتكوينك، ويتوافق مع ظروفك وملابسات وضعيتك. فقط أزل عنك رؤيتك السلبية لنفسك لتصل، ووسع مداركك لتبصر مواهبك وميولاتك وما يمكن لك أن تستثمر منها، ثم ضع هدفك بعناية بالغة واشفعه بمراحل موصلة له. ومحطات مؤقتة منضبطة. وثق أن الطريق بعدها ستلين لك، وتنقاد سلسة إن رافقتك في دربك العزيمة والاستمرار مع طرح اليأس، فثق في نفسك واسترجع أملك المفقود.
ولا تحسبن الدنيا إنما ضاقت عليك وحدك. وأنك المهموم فيها وحدك، وكأن عقبات الطريق وعثراتها ما خُلقت إلا لك، ولا وُضعت إلا في سبيلك. كلا، فالحياة تتسع لكل الاختلافات والتباينات، تحتضن كل ذي طموح مثابر، صابر متفائل. لكنها حرب على كل يائس، عاجز، راكد الهمة، ممن اثّاقل لأرض الهمّ والغمّ، واستمرأ سفاسف الأمور، واستكان للضعة ورضي بها وقنع. فروحه تكابد العناء مضاعفًا. لكنه عن حقيقة بؤسه غافل، وعن مفتاح باب عودته ومحجة عزته لاه غير عاقل.
فاستمر في سبيل ما تصبو إليه نفسك، ولا تيأس ولو قلّ في الطريق الرفيق، وانعدم المعين والنصير، واستوحشت لك طريق الحلم، وطالت بك الوحدة، فلربما وأنت في سبيل تحقيق أملك وبلوغ مقصدك قد حققت أهدافًا لم تلاحظ وقعها وأثرها في دنيا الناس، ووضعت في مراحل سيرك بصمات لك منيرة هنا وهناك وهنالك في صفحات قلوب وأماكن وأيام.. لكنك لم تشعر بها..