إنسان حقيقي لديه طموح وليس لديه سلاح ولا يمتلك القدرة على الاستجابة لأى استفزاز ، مسالم وديع برأس ووجه عجيب وشفتان ضخمتان مترهلتان وجسد مكتنز وصلعة فى رأسه صنعت مع ملامح وجهه الأوروأسيوي لوحة مرسومة بعناية لوجه لا ينسى بسهولة ويغرى على متابعة النظر اليه ، يكبت الإهانات ويطحنها ويفتتها ودائم الابتسام ويصمت طويلاً ويأخذ زوجته وابنته الوحيدة فى نزهة أسبوعية بالسيارة الى الشاليه الذى يمتلكونه فى المدينة الساحلية القريبة مع وجبة سمك دسمة من مطعم فاخر على الطريق الدائري الجديد ، وفور خروجه يلتقط أكياس الزبالة التى ألقاها جيرانه أمام منزله ويضعها فى مكب النفايات الرئيسي ويبتسم ويلقى السلام عليهم وهم واقفون في ذهول .
يحاول جاره اللص المحترف المسجل بالبوليس كعنصر خطير ونشط فى مرة ابتزازه وأخرى سرقته فيقابله بمرتب شهري ثابت نظير العناية الدائمة ببيته وحراسة ثمرات أشجار الحديقة لئلا يسرقها المتسلقون والأطفال .
يضع يده في كافة تفاصيل المنزل الهادئ وسط مدينة تغلى من داخلها ويصنع أشهى الأكلات ويسابق الزمن بعد انتهائه من عمله ليعيش متعته الخاصة بجوار زوجته في المطبخ ويطعمهما بيديه ويحضر أطباق الفاكهة ويرتب الملابس ويحرص على كيها ويشرح لابنته دروسها ويقص عليها الحكايات وينثر على وجنتيها الورديتين الضاحكتين الأمنيات ولا يكف عن الكلام ويشعل البيت بالحيوية والحركة والمرح والرقص ويشارك ابنته الغناء ويحرس الأيام المتبقية على التحاقها بالجامعة دون نوم ، وعندما تبدأ فى الكلام يشير الى زوجته بيده ويتوهج بالإنصات بابتسامة ونظرات مسكونة بقدسية غامضة ، ويغلبها النوم فيحملها على كتفه الى سريرها ويسحب عليها الغطاء ويعد القهوة، ويحتسيها هو وزوجته وهما يتأملان ويغنيان ويتمنيان للعروس النائمة .
أمام باب الحلاق يستوقفه شابان بعد أن أوقفا دراجتهما البخارية ويأمره أحدهما بصوت غليظ بالتأخر قليلاً ليحظيا قبله بالأسبقية فيتراجع في هدوء ويرسم على وجهه ابتسامة باردة .
يتذكر أحدهما انه ابن جاره اللص الذى عينه حارساً بمرتب شهري، اقترب منه مهدداً إياه حيث ابنته في خطر وأنها قد تكون مختطفة وأنه ليس إلا مجرد وسيط لقبض المال قبل أن يصيبوها بأذى، بعد أن ظل يحكى والحلاق قصص قطع الطريق وانتشار العصابات والسلاح والمخدرات وحكايات الملايين في حسابات اللصوص والمأجورين والبلطجية في البنوك، وكثير من حكايات التنسيق مع عناصر الشرطة وتبادل المنافع وتقسيم الغنائم .
دارت رأسه من هول الصدمة وحاول التماسك وأفاق على دموع زوجته تتساقط على رقبته. يتحرك فى البيت بهدوء أعصاب وتنتشر الشرطة في المكان ويعد الطعام لزوجته ويحاول اطعامها ويربت على كتفها فى حنان وعطف ويقمع البكاء داخله. يتوقف عن إعطاء اللص راتبه ويقتنى سلاحاً يحشوه بثلاث رصاصات ويحرص على ايذاء الجيران بالبذاءات وصارت الساحة بجوار بيته نظيفة ويحملون نفاياتهم بأيديهم الى المكب الرئيسي.
وعندما عادت ابنته كانت زوجته قد ماتت فدفنها بمعاونة ابنته ومنع أي أحد من الاقتراب من الجنازة، وفى الطريق إلى الشاليه اصطحب وجبة السمك الفاخرة ومياه غازية وعلبة سجائر وبعد أن تناولا الغداء أخبرته ابنته أنها لم تعد فى حاجة إلى مزيد تدريب وأنها أتقنت القنص ولا حاجة ليوم إضافي من التدريبات، فأعطاها سلاحه المحشو ودخلا الشاليه بكامل هدوئهما واتزانهما على الثلاثة المقيدين إلى كراسيهم، اللص وابنه .. والضابط النوبتجى .