أدبنثر

في رحاب رمضان

لا تنضب ينابيعُ رمضان نملأ دلاءَ التقرب بسخاء لنروي بالمغفرة تشققاتِ الذنوب، ليالٍ تُضاءُ بأفواه القائمين، تنفرط دموعُ الصمتِ وتبوح بأنين الحاجة إلى العفو، نتضلع من زمزمَ الذكرَ بذارا من حسنات، لتزرعها الملائكةُ في الجنان. مَن أسرج مشكاةَ السؤل أُزلفت إليه الإجابةُ واستكانتِ النبضاتُ، يجتبيكَ بالرضى إذ وصلكَ دنا برفيف المنتهى. سبحانه يرسلُ لكم بالوعظَ والوعيدَ ويُردفها بأنه الغفورُ الودودُ، فمد يدك إلى الله وإن قلتْ أسمعت بكائي في جوفِ الليلِ وأنت في جب الذنوب، اعلم حينها أنك قد نجحت في الأجوبة وأنك إلى العروجِ على صراطِ العفوِ تسير خطاك متلهفهً، فلا تجعل عتمة الشك ترعبك.

تقرب الى الله بالقنوت ولا تجزع. أيتركك وهو الرحمنُ وأقرب اليك من حبل الوريد؟ قل يا منان أُمننْ عليَّ بالعفو والرضا! ولا تأتهِ منثلمَ الصليلِ، ولا تضيع الطريق وأحسن الاختيار، وحين تخطو اتركْ نورَ قلبكَ يبدد الظلام، واصطفِ الحبَّ ليكون أثركَ الرشيدَ من بعدك. فأنت المخلد الذي حيّر الخلائق قائلين من أتمّك؟

آبقة هي النفس حين تتلقف شهوة الدنيا وتنسى الخالق، (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) فاقبض على جوهرة إيمانك وحوطها بسياجِ الدعاءِ والاستغفار ليكون حصادُكَ في الجنة أنهارا، حوطها خوفا من النهب، فزمانُنا كثيرُ السلب، وقاوم هوى النفسُ حتى لا تصاب بالنكس. وحين خلوتك افتح دفتر السلوك وامح زلاتك كي لا تلقى الله فتجدها بصحائفك مسطورة.

نغلق رؤانا على ما نرجو من النعم ونتناسى ما هو في جداولنا. يا لله! كم يفيض علينا مد الشكوى، وينسحب جزر الحمد من قلوبنا نستمع بكل خشوع إلى ضجيج النعم الراحلة في أمواج العمر ونغمض عنها بكل هدوء وهي تسير على شواطئنا. نجوع دون ان نشعر بلذة الموجود فنغلق أبواب الشكر ونحكم الاقفال بالنسيان. إن الحمد يمد لنا عصا البصيرة لنتكئ عليها فتنقشع رؤانا لقطاف النعم المصفوفة في أواني الحياة. كتغاريد أسراب العصافير تتهادى إلى سمعك. كأنفاسك، كلمسة طفلك تناغي مشاعرك الحريرية للثم أصابع وجوده. كشربة ماء عذب تنساب إلى جوفك فتشعر ببرودته تطفئ لظى العطش. كسقف السكينة يأويك من حرارة العيون وتلوذ إليه من برد الفصول. كشآبيب العطايا التي تهطل دون انتظار الأجر.

دهشة تلو دهشة تغلف سماءك حين تتزود بالحمد فينشق الوجع من جسد القناعة إلى منتهى العافية. تزدلف النعم وأنت تروي شجر مشاعرك بماء التقرب، ومن ثم ماذا؟ تذوق شهد ثمار السعادة حين تقلم من دوح الحياة يباس الحزن والتذمر. لماذا وقد اصطفاك الله دون الخلق، تغرق في دلجة النكران؟ لماذا وقد أسجد لك الملائكة والكون سخره لك بالنور فقط لتشكر؟ أما آن أن تتدبر قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى)؟
اغتنم رمضانَ ففيهِ أبوابُ المغفرة تشرع فاجعل حسناتك كينابيعه بالأقداح تنضح.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى