إعلامفضاءات

فن الخطابة

الخطابة: هي الكلام الذي يلقى في جمهور الناس للإقناع والتأثير. وهي فن قديم وجد مع الإنسان يلجأ إليه النابهون في الإرشاد. والخصومات والحث على الحروب والسلام. ويرقى كلما استجدت دواعيه. واستقرت الحرية الفكرية والكلامية للشعوب.
وهي أنواع: دينية وسياسية وقضائية واجتماعية. وقد تكون علمية فيهدأ أسلوبها وتسمى محاضرة وقد كانت الخطابة عدة العرب في الجاهلية. ثم ترقت في صدر الإسلام. واستمرت أداة للدين والسياسة والحكم من زمن الأمويين صدرًا من العصر العباسي. ثم خفت صوتها لما صادر الحكم من حرية الجماهير. ولكنها استردت مكانتها في العصر الحديث لمكان الحرية في حياة الشعوب والأفراد. ولنشأة النظم الدستورية في الحكومات. وقيام دور القضاء والندوة “البرلمان” وإباحة الاجتماع والجدل. والمنافسة في الانتخاب والمناظرة في المسائل العلمية والاجتماعية. ولعل الناحية الفنية أهم ما يعنينا هنا. وتشمل عناصر الخطابة وأسلوبها. وللخطابة عناصر معنوية ثلاث: المقدمة والعرض والختام.
1- فالمقدمة للاتصال بالسامعين. وإعداد نفوسهم للموضوع وبخاصة إذا كان جديدًا أو كانوا متأثرين بشعور مضاد، وقد يتركها الخطيب إذا لم يجد داعيًا من هذه الدواعي. ولا بد أن تكون موجزة جذابة متصلة بالموضوع كهذه المقدمة من خطبة علي بن أبي طالب لما بلغه أن خيلا لمعاوية وردت الأنبار وقتلوا عاملًا له: “أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع لله الحصينة، وجنته الوثيقة”.
2- والعرض هو العنصر الأساسي في الخطابة. يذكر فيه الخطيب آراءه مقسمة منسقة مؤيدة بالبراهين، ويرد على خصمه مفندًا آراءه معتمدًا دائمًا على حجج منطقية حاسمة أو خطابية مشهورة، مع مراعاة اللياقة والتجافي عن السباب ذاهبًا إلى الإقناع والتأثير، كما قال علي في هذه الخطبة: “ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلًا ونهارًا، سرًّا وإعلانًا، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غُزِي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شُنت عليكم الغارات، ومُلِكت عليكم الأوطان”.
3- والختام أو النتيجة هام لأنه تلخيص للموضوع، وتسجيل على السامعين واجتذاب لعواطفهم، ويجب أن يكون موجزًا واضحًا، قويًّا داعيًا إلى مذهب الخطيب، جامعًا لأهم عناصر الموضوع. كما ختم زياد خطبته البتراء بقوله: “وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي”2. وأما أسلوب الخطابة -أو عباراتها اللفظية- فيقوم على طبيعة هذا الفن الذي يرمي إلى الإقناع والتأثير. لذلك كان لا بد فيه من البراهين العقلية لتحقيق الغاية الأولى، والانفعالات الوجدانية لتحقيق الغاية الثانية. وهذه الخاصة وحدها تجعل أسلوب الخطابة منوّعًا يجمع بين تقرير الحقائق وإثارة العواطف، فيستخدم الفكر والوجدان وينفذ منهما إلى الإرادة يدفع بها إلى عمل من الأعمال. ولذلك تسمى الخطابة الفن العملي كما تسمى الفن الكامل لجمعه -في الإلقاء- بين شخصيتي الخطيب الحسية والمعنوية، ولاستخدامه جميع مواهب السامعين؛ فإن الخطيب يستخدم جسمه في الخطابة؛ فيشير بيديه، ويحرك رأسه، ويشكل أسارير وجهه. وكل هذه الحركات عنصر هام في التأثير الخطابي، حتى إذا قرئت الخطابة مكتوبة كانت فاقدة هذا العنصر الجسماني، مع صوت الخطيب، وحسن إلقائه. فيذهب شيء من روعتها وقوتها الإنشائية.

وعلى هذا الأساس من طبيعة الفن الخطابي نستطيع تمييز أسلوبه بما يلي:
1- الصفة العامة للأسلوب الخطابي هي القوة. ومصدرها الأول انفعال الخطيب. وقوة عقيدته ويقينه بما يقول. ثم تظهر في عباراته المسجوعة أو المزدوجة وكلماته المؤثرة الجزلة لتكون موسيقى قوية. على تفاوت في ذلك. يقول زياد في مطلع خطابته: “أما بعد فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء. والغي الموفى بأهله على النار. ما فيه سفهاؤكم. ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير”.
2- التكرار المعنوي جائز في الخطابة لتثبيت الأفكار في الأذهان، وتمكين السامعين من الفهم، والقوة والتأثير. ولكن لا بد من تغيير العبارات كما رأيت في المثال السابق إذ الفكرة الواحدة وردت في عدة جمل. وكما رأيت عند علي. وكقول زياد: “أتكونون كمن طرفت عينيه الدنيا. وسدت مسامعه الشهوات. واختار الفانية على الباقية؟ “.
3- يختلف الأسلوب فيكون خبرًا. وأمرًا. ونهيًا. واستفهامًا. وتفجعًا. حتى لا يكون رتيبًا. وليمثل الانفعالات اللازمة للخطابة، والتي تمتلئ بها نفس الخطيب. يقول زياد: “ما أنتم بالحلماء ولقد تبعتم السفهاء، فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كؤوسا في مكانس الريب … حرام على الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدمًا وإحراقًا”.
4- والخطابة فيها التقرير لبيان الرأي ودعمه البرهان، وفيها القصص والوصف الموجزان يستعين بهما الخطيب في الإقناع والتأثير كما رأيت كقول علي في خطبته السابقة: “ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها”.
5- يجب أن تكون العبارة -مع قوتها- سهلة مفهومة للسامعين، خالية من الإغراب أو التعقيد حتى يستطيع الجمهور متابعة الخطيب ومسايرته؛ إذ ليست هناك فرصة للسامعين سوى لحظات الاستماع، ولا يستطيعون إيقاف الخطيب ليفهموا عنه، ولا يملك هو سوى فرصة الإلقاء؛ فإن الخطابة فن شفوي، على أنه إذا كتب نقص بهاؤه، وربما مضت ظروفه المناسبة فضاعت فائدته.
6- يستطيع الكاتب أن يبين بالترقيم وسواه، كل قسم وموقف، ولكن الخطيب يستبدل بذلك النبر الصوتي على النقط الهامة، والعناية بالانتقال من نقطة إلى أخرى بالتنبيه، وتغيير الأسلوب ولهجة الخطاب، وتوكيد مواضع القصر. كل ذلك في جمل قصيرة سهلة. خالية من الاعتراضات وتفرق العناصر اللفظية التي إذا جازت في الكتابة فلن تجوز في الخطابة.
7- السامعون هم المقياس السديد لمستوى اللغة ودرجتها. فقد يكونون من الخاصة. وبذلك يكون الأسلوب ساميًا عاليًا. وإذا كانوا من العامة كان الأسلوب بسيطًا سهلًا. وإذا كان جمهورًا عامًا غلب الخطيب ناحية السهولة ليضمن الفهم للجميع.
8- ولا بد أن يكون الخطيب جهير الصوت، صافية، حسن الإلقاء، مناسبة الهيئة، حسن الوقوف، متزن الحركات، خبيرًا بنفسية السامعين، قادرًا على الاندماج فيهم. وعلى فهم ما يطرأ عليهم أثناء الخطابة من فتور فيعالجه. أو غضب فيتلافاه. ويحسن انتهاز الفرص، واختيار الأوقات، والانتفاع بكل ما يفيده. جادًا مرة ومازحًا أخرى حتى يظفر بما يريد. ويمكن بيان ذلك في خطب العصر الحديث لمصطفى كامل، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، ومكرم عبيد. وتوفيق دياب. وغيرهم كثير. وتجد في الجزء الثاني من العقد الفريد جملة صالحة من خطب السابقين تعد شواهد لما قلنا.

أولاً-رؤى وعلاقات في الخطابة :
1-علم الخطابة:
الخطابة علم له أصول وقوانين، من سار في طريقها عد خطيبا، وهذا العلم يعنى بدراسة طرق التأثير، ووسائل الإقناع، وصفات الخطيب، وما ينبغي أن يتجه إليه من المعاني في الموضوعات المختلفة، وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة، وأساليبها، وترتيبها. هذا العلم ينير الطريق، ولا يحمل على السلوك؛ فهو يرشد الدارس إلى دراسة مناهج، ومسالك، ولا يحمل على السير فيها.
2-علاقة الخطابة بالمنطق:
إذا كان علم المنطق يبحث عن القوانين التى تعصم الذهن عن الخطأ، فإنه يبحث أيضا عن أهواء النفس، وخواطرها وأسباب الغلط، وتسلسل الخواطر، وكل هذه الأمور تساعد الخطيب على أداء مهمته في التأثير والإقناع.
3-علاقة الخطابة بعلم النفس:
لا يصل الخطيب إلى إقناع السامعين إلا إذا استطاع أن يثير حماستهم، ويخاطب إحساسهم، ولا يمكن إلا إذا كان عليما بما يثير شوقهم، ويسترعي انتباههم، وذلك لا يكون إلا بعلم النفس، ومن هنا كان علم الخطابة له صلة بعلم النفس.
4-علاقة الخطابة بعلم الاجتماع:
يجب على الخطيب أن يكون ملما بسياسة الناس، وما يجب لكل طبقة من المعاملة، وما يلزم لكل نوع من الناس من خطاب، وعليه أن يكون عليما بروح الجماعة دارسا لأخلاقها فاهما لما يسيطر عليها، ولذا كان علم الخطابة صلته قوية بعلم الاجتماع.
5-علاقة الخطابة بالأدب :
تعتمد الخطابة في نقل رسالتها على القيم الأدبية ، لأنه من المفترض بالخطيب أن يكون واعيلً لعناصر فن الأدب من قواعد ونحو وصرف وبلاغة وخيال وغير ذلك مما تتطلبه الخطابة .

ثانياً- تعريف الخطبة وعناصرها وخاتمتها:
1 -تعريفها:
الخطبة :
قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من جهة نظره موضوعا من موضوعات الحياة الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية …….و فن مخاطبة الناس ومشافهتهم جاء من أجل إقناعهم بأفكار يريدون توصيلها لهم واستمالة قلوبهم وعقولهم من خلال الأدلة الموضوعية المقنعة لأن الخطبة الماهرة الحاذقة تلهب مشاعر السامعين أو تهدئها وتسيطر على عواطف الناس سروراً أو حزناً ثورة أو سكينة ، فهي فن من فنون النثر الأدبي (فنٌّ لساني يلقى على جمهور السامعين) ، وللخطابة مجالاتها التي لا يمكن لأي فن أدبي آخر أن يغني عنها بحكم طبيعتها التي تلازمها على مدى العصور.
2 – عناصر الخطبة :
تتألف الخطبة من عناصر تشكل هيكل الخطبة :
آ-المقدمة :
توطئة ذات صلة بموضوع يحدد مضمون الخطبة وتعد المقدمة تمهيدا للأفكار التي سيقدمها الخطيب في خطبته والقضايا التي سيعالجها ومن خلالها يلفت نظر الحضور إلى أهمية الموضوع بأسلوب مشوق يثير اهتمامهم ليتوجهوا إليه بأذهانهم وأسماعهم ، ويصغوا إلى ما يلقى عليهم ، وتكون المقدمة متقنة التعبير، محكمة النسج ،قوية الإلقاء لتترك أثرا فعالا في تنبيه وعي الجمهور والسيطرة على أذهان الحضور ومشاعرهم ليحقق حسن الإقبال عليه و لا بد أن يراعى فيها الإيجاز غير المخل
ب-المضمون:
ويشمل الموضوع الذي يرغب الخطيب معالجته و هذا يقتضي أن يحدد أفكاره مسبقا، ويرتبها ترتيبا موضوعيا دقيقا ومترابطا و يراعي فيها وضوح معانيها ليسهل على السامع فهمها ، وإذا كان الموضوع يتصل بنقض شبهات فعليه و الحالة هذه أن يعرض هذه الشبهات و يشير إلى خطورتها و أثرها الشرير
ج – خاتمة الخطبة:
وبها ينهي الخطيب موضوع الخطبة فيؤكد أهمية ما طرح من أفكار ، و الخطبة التي لا خاتمة لها تترك الحاضرين في حيرة و تساؤل :هل انتهى الموضوع أم لا؟

ثالثاً – أنـــواع الخطابـــة
تتنوع الخطابة بتنوع الموضوعات التي تتحدث عنها ومن هذه الموضوعات
أ – الخطابة الدينية
1 -استكناه للخطابة :
الخطابة الدينية نوع مميز تتوجه الخطبة فيه إلى عقول وقلوب الناس لتبقى معلقة بمحبة رب العالمين ويختلف أسلوب الخطابة الدينية عن أسلوب الخطابة السياسية والاجتماعية والوطنية وغير ذلك من أنواع الخطابة من حيث الأداء والموضوعات ، وإن كان هناك قاسم مشترك في الأسلوب اللغوي والعام ، والخطبة الدينية ليست محاضرة ، فالخطبة تختلف عن المحاضرة في الأسلوب والأداء حتى لو التقت معها في الموضوع . وقد كانت الخطابة في الإسلام إحدى أدوات الاتصال مع جماهير المسلمين وهي من أبرز وسائل الدعوة إلى الله لذلك شرعت في الجمعة والعيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء وفي الحج وفي المعارك الحربية والمناسبات الطارئة وانطلاقاً من أهمية الخطابة الدينية ودورها الفعال في بناء المجتمع يجب ألا تتحول إلى مهنة حيث تفقد في هذه الحالة دورها الفعال في البناء ويصبح الخطيب موظفاً دينياً أكثر منه مربياً وموجهاً ومعلماً وبذلك يكون قد أسند الأمر لغير أهله وهذا من علامات الساعة ولا يعني ذلك ألا يتقاضى الخطيب أجراً على عمله فهذا جائز شرعاً كما هو معلوم ولكن لا تتحول الخطابة إلى مهنة معاش في شعوره وفي واقع عمله ومما يجدر ذكره أن كثيراً من الخطباء الآن في أمسّ الحاجة إلى تحقيق المقومات الأساسية للخطابة الناجحة كالموهبة والعلم واللغة والجرأة وطلاقة اللسان والحكمة والتقوى والإخلاص ، فإذا جمع الخطيب في شخصيته هذه المقومات فهو أهل للخطابة وبوسعه عندئذ أن يسهم مساهمة فعالة في بناء المجتمع المؤمن الصالح وأما فيما يتعلق بأداء الخطبة ، فإن الخطيب الناجح هو الذي يستوفي الموضوع الذي يتناوله بعد تحضيره مؤيداً بالشواهد الشرعية متحرياً صحة الأحاديث النبوية الشريفة وما يرويه من قصص وغيرها ؛ ولا بد أن يكون نقله للآيات القرآنية الكريمة دقيقاً مع الإشارة إلى رقم الآية واسم السورة ويوضح أفكاره بأسلوب جيد السبك مفهوم العبارة ويحذر من إطالة الخطبة كي لا يمل الحضور وليكن معتدلاً في حماسه وانفعاله ولا يتجاوز الحد المطلوب في الخطابة حتى لا يفقد زمام السيطرة على كلامه فيضر من حيث يجب أن ينفع ولا يعني هذا أن تكون خطبته باردة المشاعر وكأنه يقرأ نشرة أخبار ولا يبالغ في التقريع والتوبيخ لأصحاب المخالفات الشرعية فيخرجهم من الدين ولا يتساهل في أمر المعاصي فيصور الكبائر وكأنها من صغائر الذنوب والأفضل أن يغلب الترغيب على الترهيب ويبتعد عن التجريح حتى لا ينفر الناس منه وإذا أراد أن يلفت النظر إلى مخالفات يرتكبها أشخاص يعرفهم ، فليقل كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) دون أن يسمي أحداً منهم أو يشير إليه ولا يتهجم على مبادئ الآخرين وعقائدهم فهذا ينافي حكمة الدعوة إلى الله التي تعلمناها من كتاب الله وسنة رسوله قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) ، وبما أن الخطيب من الدعاة إلى الله تعالى فعليه أن يلتزم بالحكمة والموعظة الحسنة في إطار دعوته كما قال تعالى(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ، ومما يقلل من تحصيل الفائدة العلمية من الخطبة علو صوت الخطيب إلى حد الصراخ فيخيل للسامع كأنه في مشاجرة ، وينبغي على الخطيب ألا يكثر من البكاء خلال الخطبة بغية التأثير في نفوس المستمعين أو لتفاعله مع الموضوع الذي يتناوله الخطيب وبالتالي تفقد الخطبة فاعليتها لدى الحضور وتضيع معظم الفائدة المرجوة منها . إن المكانة المرموقة التي يتبوّأها الخطيب بين الناس تنطلق من مهمة موقع الخطابة التي يقوم بها وهي المساهمة في بناء المجتمع الصالح على أسس الإيمان بالله ورسوله وهذا يعني أن رسالته لا تنحصر بموقفه الخطابي أمام المصلين حين يقدم خطبة الجمعة بل هي أوسع من ذلك بكثير إنه يقوم بحمل الراية التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل مسؤوليتها المسلمون عامة وعلماء الإسلام خاصة وأكدها في حجة الوداع :( اللهم هل بلغت اللهم فاشهد) ونطق بها القرآن الكريم :(وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) الزخرف44/ ، ومن خلال هذا الموقع يبقى الخطيب محط أنظار أبناء مجتمعه الذي يعيش بين ظهرانيه ومعقد الأمل في توعيتهم وتفهيمهم أمور دينهم ، فيعلمهم ما جهلوا من أحكام ويذكرهم ما نسوا من فرائض وواجبات ويعظهم إن أخلّوا بالالتزام أو قست قلوبهم فإذا ضعف الوازع في نفوسهم يأخذ بأيديهم إلى ظلال التقوى ويوقظ في أحاسيسهم الخوف من الله تعالى ويعمل جاهداً بحكمته ووعيه على رد الضال برفق إلى جادة الإيمان ويصلح ذات بينهم إذا عبث الشيطان بعلاقاتهم الاجتماعية وصلاتهم الأخوية فيأمرهم بصلة الأرحام وحسن الجوار والتحلي بمكارم الأخلاق ويذكرهم بأيام الله واستمرار القيام بأداء حق العبودية والعبادة لله رب العالمين خير قيام . إن مهام الخطيب متعددة الجوانب وهي أمانة ثقيلة الأعباء فإن أدى الخطيب هذه المهام كما أمر الله ورسوله حقق الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وحظي برفقة إمام الخطباء وسيدهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح رضوان الله عليهم يوم يقوم الناس لرب العالمين وإن كانت الأخرى فيا لها من خسارة ما بعدها خسارة! ولا يخفى على الخطيب أن أداءه هذه الأمانة العظمى تقتضي منه أن يتحلى بباقة من الخصال الحميدة ، فإن كانت فيه فهذا من فضل الله ورحمته عليه وتوفيقه له وإن هو قصر في تحصيلها أو في اكتساب بعضها أو غفل عن ذلك فما عليه إلا أن يسعى جاهداً للتخلق بها من خلال مزيد من القربات ومجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها باستمرار وحملها على التحلي بأخلاق القرآن الكريم متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن الكريم كما جاء في السنة الشريفة ، و كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) والخطابة الدينية وهي التي تلقى في المساجد في صلاة الجمعة والعيدين، وفي المناسبات الدينية المختلفة للوعظ والإرشاد والحث على الاستمساك بالفضائل الإسلامية.
2-طرق تحصيلها:
لا شك أن الخطابة منصب خطير، لا يصل إليها طالبها بيسر، بل يحتاج طالبها إلى زاد عظيم، وصبر ومعاناة، واحتمال للمشاق؛ ليصل إلى تلك العناية السامية وطرق تحصيلها ما يأتي:-
أ-فطرة تلائم الخطابة: يستحب أن يكون الخطيب فصيحا طلق اللسان، ثابت الجنان، ذكي القلب، وأن تكون مخارج الحروف عنده صحيحة.
ب-دراسة أصول الخطابة: لا شك أن هذه الأصول لا تكفي وحدها، بل لا بد أن يكون معها استعداد كامن، ومران شديد على الخطابة.
ج-قراءة كلام البلغاء: ودراسته دراسة متعرف لمناص التأثير، وأسرار البلاغة، ومتذوق لما فيها من جمال الأسلوب وحسن التعبير، وجودة التفكير.
د-الاطلاع على كثير من العلوم التى تتصل بالجماعات: كالاقتصاد والشرع، والأخلاق، والاجتماع، وعلم النفس، والمعتقدات.
ه- الثروة الكثيرة من الألفاظ والأساليب: فالخطابة تحتاج إلى أن يعبر عن المعنى الواحد بعدة عبارات، وأساليب متغايرة.
و-ضبط النفس واحتمال المكاره: حيث يستحب للخطيب أن يتذرع بالصبر، وضبط النفس، والسيطرة على أعصابه ومشاعره، كما عليه أن يقضي على كل مظاهر الاضطراب والانفعال والوجل؛ لأن ظاهرة الاضطراب والوجل تورث في الخطيب الحيرة، والحيرة تسبب له التلعثم والارتباك.
ز- الارتياض والممارسة: فرياضة النفس على الخطابة تكون بالارتياض على الفكرة والارتياض على الأسلوب والارتياض على الإلقاء، أما الارتباط على الفكرة فهو تعويد النفس على ضبط الأفكار، ووزن الآراء وتصنيف العناصر، وعقد الصلة بينهما وبين ما يجري في المجتمع من قضايا ومشكلات، وتعويد النفس على الاتصال بفئات البشر، والاندماج معها، والتعرف على أحوالها، أما الارتياض على الأسلوب فهو المران على التحدث ببليغ المقال، وفصيح الكلام. وهذا لا يتأتى إلا بحفظ آيات من القرآن والأحاديث النبوية، وعبارات البلغاء قديما وحديثا، كما يجب على الخطيب مطالعة الكتب الفكرية والأدبية فهي عامل آخر لارتقاء أسلوبه، وجودة تعبيره، أما الارتياض على الإلقاء فيبدأ بتعويد اللسان عند النطق على إخراج الحروف من مخارجها، ثم قراءة كل ما يستحسنه بصوت مرتفع، ولهجة متزنة، مصورا بصوته معاني ما يقرأ بتغيير النبرات، وبرفع الصوت وخفضه، ثم بإلقاء الموضوع بينه وبين نفسه متصورا أنه أمام جمهور، ثم بإلقاء الموضوع أمام من يثق بهم من إخوانه، ثم بإلقاء الموضوع في محيط لا يعرفه فيه أحد غير هياب ولا وجل.
3-الآداب الخطابية:
يجب على الخطيب أن يتحلى بآداب عند إلقاء الخطبة، ومن هذه الآداب ما يتعلق بحاله هو عند إلقاء الخطبة، ومنها ما يتعلق بالسامعين.

-الآداب الخاصة بالخطيب:
أ- سداد الرأي: ويكون بدراسته دراسة تامة للموضوع الذي يخطب فيه ، ويتحدث عنه .
ب- صدق اللهجة: وهو أن يظهر الخطيب مخلصا فيما يدعو إليه، وحريصا على الحقيقة، فإنه إن ظهر كذلك وثق الناس به، وصدقوه فيما يدعو إليه، وأحسوا بأنه شريف تجب إجابته؛ لشرفه وشرف ما يدعو إليه، ومن أجل أن يكون الإخلاص باديا، يجب أن يكون من حاله ما يطابق مقاله، فلا يتجافى عمله عن قوله، بل يكون أكثر الناس أخذا بقوله.
ج-التودد من السامعين: ويكون بالتواضع لهم، وأن يكون ممن يألفون، ويؤلفون؛ فلا يكون جافيًا خشنًا قاسيًا.
-آداب الخطيب مع السامعين:
أ-ينبغي على الخطيب الاتصال بنفوس من يخاطبهم، والقرب من قلوبهم، والناس مختلفون، عادات وأخلاقا ومهنة ومرتبة، ولكل طائفة من الناس أحوال، تقتضي نوعا من الخطاب، لا تقتضيه أحوال الجماعة الأخرى؛ وعلى الخطيب أن يلبس لكل حال لبوسها، ويعالج كل طائفة بأنجع دواء له؛ ليستقيم له الطريق، ويصل إلى غرضه.

صفات الخطيب:
ب- الاستعانة بالله: الخطيب الناجح هو الذي يحرص على الاستعانة بالله في كل الظروف والأحوال فهو يستعين بالله في الإعداد، وحسن الأداء، وجمال الإلقاء.
ج-الإخلاص: الإخلاص هو روح الأعمال وسر قبولها وبه يجمع الله سبحانه وتعالى القلوب، فالإخلاص عامل هام في النجاح والتأثير وينبغي على الخطيب أن يحذر من أمراض القلوب، وأن يبتعد عن الغرور والرياء وحب الظهور.
د-القدوة الحسنة: ينبغي على الخطيب أن يكون قدوة حسنة، وأن يكون سلوكه قويما، وأن يعمل بما يقول، وأن يكون إماما فيما يدعو إليه.
ه-الشجاعة: لا بد أن يكون الخطيب شجاعا لا يخاف إلا الله وهو صاحب رسالة، ولذلك فالشجاعة ضرورية كذلك لتبليغ الحق المبين، وتجلية حقائق الإسلام، وعلاجه للمشكلات بكل وضوح وصراحة، ومحاربة الظلم، وفضح الباطل، وإقرار العدل.
و- الموهبة: إن نجاح الخطيب في مهمته فيه جانب يكتسبه عن طريق كتب فنون الخطابة وآدابها، والاستماع إلى الخطباء، والاستفادة منهم. وجانب الموهبة التى يمنحها الله للإنسان وذلك بحب الخطابة، والميل إليها والانسجام معها.
ز- قوة الملاحظة: يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة؛ يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنه نفوسهم نحو قوله؛ ليجدد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم ولتتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم.
ح-حضور البديهة: لتسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضا، والدواء الشافي إن وجد منهم اعتراضا، وقد يلقي الخطيب خطبته فيعقب بعض السامعين معترضا، أو طالبا الإجابة عن مسألة، فإذا لم تكن البديهة حاضرة يجيب الخطيب إجابة سهلة موثقة وإلا ضاعت الخطبة، وآثارها.
ي-طلاقة اللسان: تعد طلاقة اللسان من ألزم صفات الخطيب، وأشدها أثرا في انتصاره في ميادين القول.
ك-رباطة الجأش: يجب أن يقف الخطيب مطمئن النفس، هادئ البال، قوى الجنان، غير هياب ولا وجل، وغير مضطرب ولا منفعل.
ل-القدرة على مراعاة مقتضى الحال: يجب على الخطيب أن يكون قادرا على إدراك وضع الجماعة، وما تتطلبه من تذكير وإصلاح، وما يصلح لها من أساليب ملائمة، ومن توجيهات مناسبة يراعي فيها المصلحة واقتضاء الحال.
م- قوة العاطفة: يجب على الخطيب أن يمتلئ حماسة فيما يدعو إليه، واعتقادا بصدقه؛ لأن ما يخرج من القلب يدخل القلب فلا بد أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غلتهم، وإلا أحسوا بفتور نفسه، فضاع أثر قوله.
ن-النفوذ وقوة الشخصية: الخطيب الناجح هو الذي يتمتع بقوة الشخصية، وإشراقة الروح، وسداد الرأي، وسعة العلم، وتأثير نصائحه ومواعظه.
ص-حسن الهيئة: يجب على الخطيب أن يراعي الهيئة الحسنة في زيه، ويهتم بكل ما يجعل هيئته حسنة، وأن تتزن حركاته، وعليه أن يبتعد عن الحركات سواء باليد أو الرأس أو غير ذلك، التي تجعل منه ممثلا رخيصا ومثارا للضحك والتندر.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى