مظاهر التفوق الحضاري العربي في الأندلس
العلوم الزراعية والطيبة
أولا – العلوم الزراعية:
↵ 1- عوامل تطور الزراعة : دخل العرب الأندلس وهم يحملون خبرات المشرق الزراعية مما ساعد في تطوير الزراعة وإدخال أساليب لم تكن معروفة ، وأصبحت علما قائما بذاته له علماؤه وخبراؤه الذين قاموا بتجارب ووضعوا مؤلفات انعكست في المجال العملي ، ومن العوامل التي ساعدت العرب في ذلك :
أ- جودة مناخ الأندلس و ملاءمته للزراعة .
ب- خصوبة الأرض وتنوع التربة مما ساعد على تنوع المحصولات .
ج- وفرة المياه.
د- اشتغال عدد كبير من الناس بالزراعة بعد أن وزعت عليهم الأراضي.
↵ 2- فضل العرب في مجال الزراعة :
أ- استصلاح الأراضي وإدخال نظام المدرجات الجبلية .
ب- الاهتمام بالري وحفر الأقنية والسواقي وخزن المياه المتساقطة من الجبال في سدود .
ج- الاهتمام بتخطيط الحدائق والبستنة وإدخال زراعات وأغراس جاؤوا بها من المشرق
د- ظهور علماء ومؤلفات في مجال الزراعة . وبفضل تلك الجهود أصبحت أراضي الأندلس تنتج ثلاثة أو أربعة مواسم كل عام . وقد وضع العرب تقويما زراعيا عرف بالتقويم القرطبي أصبح دليلا لزراعة النباتات وأصنافها ومواعيدها استفادت منه معظم الأمم.
↵ 3- أشهر المزروعات : اشتهرت الأندلس بزراعة الحبوب والأشجار المثمرة كالتين والعنب والتفاح والكمثرى والبرتقال والرمان والتوت والكستناء و الموز والنخيل والبطيخ وهناك زراعة الزيتون والتوت والقطن وقصب السكر والأرز . وقد دخل الكثير من تسميات النبات ووسائل الزراعة العربية إلى اللغات الأوربية.
↵ 4-علماء الزراعة : اشتهر عدد من علماء الزراعة العرب في الأندلس من أبرزهم:
أ-رشيد الدين الصوري : من أهل قرطبة ألف كتابا سماه الأدوية المفردة المستخرجة من العقاقير والأعشاب .
ب-يحيى بن محمد بن العوام :من إشبيلية وضع رسالة في الزراعة سماها ( كتاب الفلاحة ) ويعد هذا الكتاب من أهم ما كتب عن الزارعة العربية في الأندلس .
ثانيا – الطب:
أ-مقدمة : اعتمد الطب عند العرب على كتب اليونان ، لكنهم لم يتوقفوا عند حدود ما أخذوه ، بل أضافوا إليه ملاحظاتهم ، ووصفوا العديد من الأمراض التي لم يعرفها اليونانيون وكان أطباء الأندلس في عصر الخلافة يذهبون إلى بغداد في المشرق لينهلوا من علومها ، ويستفيدوا من مكتباتها .
ب-فضل عرب الأندلس في الطب والصيدلة :
وصل الطب إلى أوجه في عهد الخليفة الناصر بفضل اعتماد العلماء العرب المنهج العلمي في البحث القائم على الملاحظة والتجربة . وقد ظهر فضل العرب في الطب في عدة جوانب أهمها:
1-تشخيص الأمراض ووصف أعراضها .
2-إجراء عمليات جراحية مثل خياطة الأمعاء وتفتيت الحصى في الكلى .
3-صناعة الكثير من الآلات والأدوات المستخدمة في الجراحة .
4-دراسة النباتات الطبيعية لاستخلاص الأدوية منها .
ج-مشاهير الأطباء والصيادلة العرب في الأندلس:
أ-أبو القاسم الزهراوي : ولد في مدينة الزهراء ، وكان طبيبا للحكم الثاني وضع كتابا في الطب اسمه (( التصريف لمن عجز عن التأليف ))
ب-ابن زهر : ولد في إشبيلية ، من أسرة اشتهرت بالطب ، أصبح طبيبا لزعيم المرابطين يوسف بن تاشفين : ومن أشهر كتبه (( التيسير في المداواة والتدبير )) وصف فيه بعض الأمراض الباطنية والجراحية .
ج-ابن البيطار : من مالقة جنوبي الأندلس ، ويعد من أشهر الصيادلة . انكب على دراسة النباتات الطبية ليستخلص منها الأدوية . وأشهر كتبه (( الجامع في مفردات الأدوية والأغذية ) .
الحياة الفكرية
المكتبات والأدب
أولا- ازدهار الثقافة العربية في الأندلس : ازدهرت الثقافة العربية في الأندلس ، فكانت الجامعات الكثيرة والمكتبات الضخمة ، وكان العلماء والأدباء الذين برزوا في شتى مجالات العلم والأدب ، ولم يقتصر ازدهار الثقافة على فترات الاستقرار بل استمر في فترات الضعف وبخاصة في فترة حكم ملوك الطوائف .
↵ أ- المكتبات : زاد عدد المكتبات في الأندلس على السبعين وكانت أهمها :
1- مكتبة الحكم المستنصر. بلغ ما فيها من الكتب حوالي أربعمائة ألف مجلد . وكانت متنوعة منها العلمية والفلسفية وعلوم الحديث والفقه والشعر … الخ كما كانت ترد إليها الكتب من المشرق والمغرب المؤلفة منها والمترجمة . ولشدة اهتمام الحكم بالكتب كان له وراقون في عدد من الأقطار يختارون له غرائب الكتب ونفائسها . ولم يكتف بجمع الكتب بل كان عالما وأديبا يقرأ الكتب ويضع ملاحظاته على حواشيها.
2- مكتبة المنصور بن عامر التي زخرت بالكتب النفسية
↵ ب- الآداب : ازدهرت حرفة الأدب في الأندلس وبرز ذلك في ميادين الشعر والنثر والنحو .
1 – الشعر : أثرت طبيعة الأندلس الجميلة في قرائح الشعراء فتفتحت وأبدعت ، اشتهر من الشعراء ابن هانئ الأشبيلي وابن حزم القرطبي وابن زيدون وأبو البقاء الرندي الذي شاعت قصيدته المشهورة التي يندب فيها سقوط بعض المدن بيد الأسبان .كما ظهر في الأندلس شعر لطيف الوزن رقيق المعنى دعي بالموشحات
2 – النثر : ظهر في الأندلس بعض الأدباء شاعت مؤلفاتهم منهم :ابن عبد ربه الذي ألف كتاب (( العقد الفريد )) ويتألف هذا الكتاب من خمسة عشر جزءا تتحدث عن السياسة والحرب وعلاقة السلطان بالرعية …الخ ، وابن حزم وقد مر ذكره كشاعر وله كتاب (( طوق الحمامة في الألفة والآلاف))
3- النحو : كان الناس أول الأمر يدرسون اللغة عن طريق قراءة النصوص الأدبية دون استعمال كتب خاصة بالنحو ولكن تطور الأمر عندما ظهر نحاة كثرت مؤلفاتهم في هذا الميدان ومن أشهرهم :
أ- أبو علي القالي : وهو من وفدوا من أهل الأدب المشارقة على الأندلس ، ونال فيها حظوة عظيمة في عصري الخليفة الناصر وابنه الحكم المستنصر . أتقن علوم اللغة والشعر والنحو على طريقة البصريين . عهد إليه الخليفة الناصر تأديب ولده الحكم . وقد أهدى كتابه الأمالي إلى الخليفة الناصر ، ومن مؤلفاته رسالة عن المقصور والممدود كتاب ( (البارعة في اللغة ))
ب- ابن سيدة : صاحب المعجم وكتاب (( العالم والمتعلم ))
ج- ابن مالك : صاحب الألفية المعروفة باسم ألفية ابن مالك وله كتاب (( الكافية الشافعية))
د- أبو حيان الغرناطي الذي لقب بشيخ النحاة .
↵ ج- التاريخ : ألف مؤرخون الأندلس كتبا تبحث في أخبار المشاهير والأعلام وكتبا في الأنساب ، واهتموا بالتواريخ العامة . وقد تأثروا بمؤلفات الطبري وغيره من مؤرخي المشرق . ومن أشهر مؤرخي الأندلس :
1- عائلة الرازي ظهر منها :
أ- أحمد بن محمد بن موسى الرازي: وله مؤلف أسماه ( أنساب مشاهير أهل الأندلس )
ب- عيسى بن أحمد : وله تاريخ الأندلس وله تاريخ حجاب الخلفاء في الأندلس
ج- ابن الفرضي : اشتهر من مؤلفاته ( تاريخ العلماء والرواة للعلم في الأندلس )
↵ د- الجغرافية :
كان الدافع للاهتمام بالجغرافية الازدهار التجاري والنشاط البحري اللذين ساعدا على ظهور كتب الرحلات . واشتهر من الجغرافيين : أحمد الرازي : وقد سبق ذكره كمؤرخ ويعد أول كاتب لجغرافية البلدان في الأندلس ، ومحمد بن يوسف الوراق : وضع أول كتاب في المغرب الإسلامي يبحث في المسالك والممالك .
↵ هـ- الموسيقا والغناء :
رأينا أن صورا أخرى من الشعر ظهرت في الأندلس مثل الموشحات والزجل والتي ارتبطت بالموسيقا والغناء فعرفت بالموشحات الأندلسية كانت الموسيقا محاربة من قبل رجال الدين الذين كانوا يأمرون بكسر آلات الموسيقا . وأشهر من احترف الموسيقا والغناء في الأندلس زرياب الذي قدم من المشرق ، وأصبح موسيقي الأمير عبد الرحمن الأوسط . من مآثره انه أضاف وترا خامسا على العود . وقد لاقى تشجيعا كبيرا من سكان قرطبة ، وكان ازدهار الموسيقى والغناء مواكبا لرفاه المجتمع وثراء السكان.
الحياة الفنية
أولاً-البناء والهندسة:
-ازدهار البناء في الأندلس : رافق فترات الهدوء الداخلي واستقرار السلطة في الأندلس نشاط عمراني كبير ، بلغ أوجه في عصر الخلافة بسبب قوة الدولة ، ووفرة الأموال في خزينتها . ونشاهد مظاهر هذا النشاط في :
أ – بناء المدن : ساهم العرب في بناء العديد من المدن في الأندلس أشهرها :
1-قرطبة : تحتل قرطبة سهلا فسيحا يقع بالقرب من نهر الوادي الكبير . وأصبحت منذ أن استقر بها العرب دارا للإمارة . ثم اتخذها الخليفة الناصر حاضرة له . وقد بنيت فيها الدور الجميلة والقصور الفخمة واشتهرت بقصورها وجامعها .
2-الزهراء : بناها الخليفة الناصر . تم اختيار موقعها على السفح الجنوبي لجبل العروس . احتوت على قصور ملكية ، ودار للسكة وكذلك على حدائق ومسجد ومن روائع الزهراء أن الناصر وضع في البيت المخصص لنومه حوضا منقوشا عليه اثنا عشر تمثالا لحيوانات من الذهب الأحمر المرصع بالدر النفيس .
كانت الزهراء تمثل قمة الفخامة والترف . عمل في بنائها وتزيينها ألوف العمال ، وأنفق عليها الملايين من الدنانير .
3-الزاهرة : أمر ببنائها المنصور بن عامر 368هـ واستغرق بناؤها تسع سنوات ، اتخذها مقرا شخصيا له ومركزا لإدارته وجيشه . تنافس الناس على النزول بها . وزاد بناؤها حتى اتصلت بأرباض قرطبة واشتهر من أبنيتها المسجد
ب – بناء المساجد :
كان من أبرز المساجد التي بناها العرب في الأندلس :
1-مسجد قرطبة : بناه عبد الرحمن الداخل على غرار المسجد النبوي ، وقد امتاز بكثرة أعمدته الرخامية وأقواسه . كما زينت واجهته القبلية بالفسيفساء التي يخالطها قطع صدفية صغيرة كتب عليها آيات قرآنية وكسيت جدران المصلى بزخارف دقيقة ، أما المنبر فكان مؤلفا من قطع خشبية مطعمة بالعاج ، جمعت مع بعضها بمسامير من الذهب والفضة ، وللمسجد واحد وعشرون بابا . ويقوم على إضاءته ليلا والعناية به عدد كبير من الأشخاص .
ج – بناء القصور : اشتهر من قصور الأندلس :
1-قصر الخلافة بقرطبة : يعكس تطور الفنون المعمارية وفنون الزخرفة خلال الحقب المتوالية ، وبلغ أوجه في عصر الخلافة وكان يضم عدة قاعات أطلق عليها أسماء مختلفة .
2-قصر الحمراء : بناه الأمير محمد بن يوسف الملقب بابن الأحمر صاحب غرناطة ويعد من أجمل القصور العربية في الأندلس . وهو يتألف من باحة واسعة يقوم في وسطها حوض ماء حوله اثنا عشر سبعا من الرخام يتدفق من كل منها فوارة ماء . يمتاز بزخارفه الجصية ونقوشه الذهبية وكتاباته الكوفية التي تحوي شعار عرب الأندلس (( لا غالب إلا لله )) وأهم أجنحته قاعة الملوك وقاعة الشعراء .
د-فن الزخرفة في الأندلس :
أبدع عرب الأندلس في فني النقش والزخرفة ، وقد استخدموا الفسيفساء والقيشاني . ورسموا مشاهد الطبيعة وأشكال الحيوانات في زخارفهم . وزينوا نقوشهم بالخطوط العربية وكتابة الآيات القرآنية ويظهر ذلك على جدران المساجد والقصور . أطلق الأوربيون على فن الزخرفة العربية (( أرابسك ) أي الفن العربي وقلدوا هذه الفنون في صناعاتهم وزخرفة مبانيهم .