قراءة في كتابنقد

قراءة مقتضبة في كتاب (الشعر والشعراء) لابن قتيبة الدينوري

1-إن لمقدمة (الشعر والشعراء) قيمة تكاد تعدل قيمة الكتاب كله إن لم تقل تفوقها.

2-قصد بالمقدمة هذا القسم من الكتاب الذي وقفه المصنف على حديث الشعر وطبقاته وعناصره وقواعد نقده.

3-وهذا البحث من أقدم البحوث النقدية الذي يلمح فيه للمرة الأولى تركيزا للقواعد النقدية وصياغتها صياغة قوية.

4-كل ذلك سيجعل لها شانا كبيرا في توجيه الشعراء والنقاد فيما بعد.

5-ولهذا السبب أولاها النقاد العرب عناية كبيرة كما عني بها المستشرقون ونقلوها إلى عدد من اللغات الأجنبية ونوهوا بأثرها في النقد العربي.

7-وقد بدأ ابن قتيبة من الصفحات الأولى في كتابه بالإشارة إلى موضوع الكتاب قائلا غنه: (كتاب في أخبار -الشعر والشعراء- وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم وقبائلهم وما يستحسن من هذه الأخبار ويستجاد من تلك الأشعار) .

8-ولم ينس أن يعرج على المأخذ التي أخذها العلماء على هؤلاء الشعراء من الغلط والخطاء في اللفظ والمعنى

9-وأشار إلى السبق في المعاني أو ما يسمى في النقد باسم (السرقات الأدبية)

10-ولما كان موضوع (الشعر والشعراء) موضوعا واسعا عمد إلى تحديده لأن الإلمام بجميع إخبار الشعراء وأحوالهم في كتاب واحد يكاد يكون مستحيلا

11-فلذا أشار ابن قتيبة إلى أنه سيقتصر من القدماء على ذكر الشعراء الذين يحتج بشعرهم في الغريب والنحو والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف

12-كما أنه سيهمل من بحثه هذا الشعراء المقلين والمغمورين والأشخاص الذين غلب عليهم فن آخر غير الفن الشعر

13-ولم يقصر ابن قتيبة حديثه على الشعراء القدامى الذين يحتج بشعرهم فقط بل تجاوزهم إلى ذكر مجموعة من الشعراء المحدثين ثم علل الأسباب التي جعلته يخصص جزءاً من كتابه للحديث عن هؤلاء المحدثين مخالفا بذلك من سبقه إلى التأليف في هذا الباب ففتح باب الحديث عن هؤلاء المحدثين على مصراعيه بعد أن أوصده من تقدمه من النقاد السابقين

14-وأعلن مبدأ المساواة في نظر النقد بين القديم والمحدث لأن القدم والحدوث أمران نسبيان لا صلة لهما بالقيمة الفنية للأثر المدروس وقد ألح على هذه الفكرة التي كثر المراء والجدل حولها في عصر ابن قتيبة وأكدها بجرأة فقال: ( فكل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له وأثنينا به عليه ولم يضعه عندنا تأخر قائله أو فاعله ولان حداثة سنه كما أن الردئ إذا ورد علينا للمتقدم أو الشريف لم يرفعه عندنا شرف صاحبه ولا تقدمه) .

15-ويبدو أن ابن قتيبة كان عازما على أن يضمن هذا المصنف كل ما يتصل بالأدب مع ملاحظة المفهوم الواسع لكلمة أدب فكان يتوق إلى الحديث عن قدر الشعر وعن فن المديح والهجاء وما يتطلبه هذان الغرضان من معرفة الأنساب والسير يضاف إليهما فن الحكمة وفن الوصف وبخاصة وصف الخيل والعلوم المتصلة بها والنجوم والأهواء والرياح والبروق والسحاب غير أنه وجد أن الحديث عن هذه الأشياء سيكون معادا مكرورا لأنه استوفى الحديث عنها في كتابة الذي سماه (كتاب العرب) لهذا صرف النظر عن الحديث عنها ثانية في هذا الكتاب

16-وانتقل بعد ذلك إلى شرح بعض مبادئ النقد الأدبي التي لا بد لكل من يتصدى لدراسة الآثار الشعرية من الإلمام بها ولذلك حلل الشعر إلى عنصريه الأساسيين:
(اللفظ والمعنى): وحاول أن يحدد قيمة كل من هذين العنصرين على انفراد وقاده ذلك إلى تقسيم الشعر إلى أربعة أضرب تبعا لحالات كل من العنصرين الأساسيين وهذه الأضرب هي:

1-ضرب حسن اللفظ والمعنى
2-ضرب حسن اللفظ وليس في معناه كبير طائل
3-ضرب حسن المعنى مقصر اللفظ
4-ضرب متأخر المعنى واللفظ

وقد أكثر ابن قتيبة في كلامه على هذه الأضرب من الإتيان بالشواهد وقادته بمعنى الشواهد إلى الأقاصيص والأخبار والنوادر التي يستدعيها الاستطراد ، وهو في تنقله بين الشواهد التي يعرضها في كل ضرب من الأضرب الأربعة ينتهز كل مناسبة تسنح له لإبداء رأية في بعض القضايا النقدية كرأيه في شعر العلماء أمثال الأصمعي وابن المقفع والخليل بن أحمد ومجانبة هذا الشعر للسهولة ولا سماح الخاطر كما نقد قبيح أسماء الإعلام و الكنى والألقاب التي حشدها الشعراء في أشعارهم وهم بغنى عن حشدها وأبدي عجبه من اختيار الأصمعي الذي تهجم به ذوقه على اختيار ميمية المرقش التي نعتها ابن قتيبة بأنها وأمثالها ليست بصحيحة الوزن ولا حسنة الروى ولا متخيرة اللفظ ولا لطيفة المعنى

17-وانتقل ابن قتيبة بعد ذلك إلى الكلام على موضوع ذي أهمية وخطر في تاريخنا النقدي نعني به أقسام القصيدة العربية أو هيكلها فشرح هذه الأقسام من

1-وصف الأطلال
2-إلى النسيب
3-إلى ذكر مشاهد الترحل
4-ووصف الراحلة
5-ثم المدح

أو غيرها من الأقسام الأخرى وتبدو لفتته البارعة وحسه النقدي في تعليله لظاهرة البدء في الوقوف على الأطلال والافتتاح بذكر النسيب والأثر النفسي لهذا في مطلع القصيدة العربية ثم أوضح تسلسل هذه الأقسام في القصيدة العربية وصرح بأنه من أنصار المحافظة على هذا المنهج التقليدي وجعل من سلوك هذا المنهج ومن العدل بين هذه الأقسام وتوزيعها توزيعا سويا شرطا من شروط الإجادة في الشعر

18-وعلى الرغم من أن ابن قتيبة أعار المحدثين شيئا من اهتمامه إلا أنه ظل ينزع إلى القديم وظل يعجب بمذاهب القدامى في الشعر ويدعو المتأخرين إلى الاحتذاء على حذو المتقدمين في مذاهبهم ومناهجهم وتؤخذ عليه هذه النظرة التحكمية في الفن وفي وسائل التعبير عنه

19-ومن النظرات الأصيلة في كلام ابن قتيبة والتي أكدها في أكثر من موضع في هذه المقدمة قضية(الصنعة والطبع) فوضح الفرق بين هذين المذهبين وأتى بالأمثلة الكثيرة مازجا في كثير من الأمثلة بين التكلف والتثقيف وبين الطبع والارتجال متحدثا عن مظاهر التكلف وانعكاسها في شعر الشاعر وإلجائها الناظم إلى ركوب الضرورات الشعرية ومحاولة الشاعر تلفيق الأفكار والتحاليل عليها بالوصف المقتسر بعد أن أعيته الغريزة السمحة عن أسلاس قيادها

20-ثم نرى المؤلف ينتقل إلى البحث في موضوعات أخرى تقع على هامش الموضوع الأساسي كالدواعي النفسية التي تسهل قول الشعر على الشاعر كالطمع والشوق والغضب والسرور والدواعي النفسية المضادة التي من شأنها أن تنضب معين الشاعر ، فإذا أضفنا إلى العامل النفسي عاملي الزمان والمكان ألفينا ابن قتيبة يفسر على ضوء هذه العوامل سر تفاوت الأبيات في القصيدة الواحدة عند بعض الشعراء….

21-وتكلم ابن قتيبة على الأسباب المختلفة التي يختار عليها الشعر ويحفظ والتي منها بالإضافة إلى

أ-جودة اللفظ والمعنى
ب-الإصابة في التشبيه
ج-وخفة الروي
د-أو لأن الشعر من النوع العزيز الذي لم يقل قائله غيره
ه- أو لندرة معانيه وغرابتها أو لنيل قائله …..

22-ثم اختتم كلامه بذكر بعض عيوب الشعر كعيوب القافية من إقواء وأكفاء وسناد وإبطاء وإجازة وعيوب الإعراب وعلى رأس هذه العيوب التي تمت إلى النقد بصلة تلك التي يسمونها بالضرورات الشعرية

23-وقبل أن ينهي كلامه توجه إلى الشاعر المحدث محذرا إياه من تقليد القدامى في:

أ- استعمال وحشي الكلام
ب-واستعمال اللغات (اللهجات) القليلة في كلام العرب
ج- وركوب المركب الخشن في الأساليب التي لا تصح في الوزن ولا تحلو في الإسماع

24-وتجاوز هذه المقدمة إلى الحديث عن أوائل الشعراء تمهيدا لذكر الشعراء المشهورين فردا فردا, ويقدم ابن قتيبة تصنيفا ً لمستويات الشعر على النحو التالي :

أولا ً : حسن لفظه وجاد معناه .
ثانيا: حسن لفظه وحلا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى .
ثالثا :جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه .
رابعا ً: تأخر معناه وتأخر لفظه.

إذا ً فإن ابن قتيبة يعتمد مسألة الفصل بين المعاني والألفاظ ثم يبدأ ابن قتيبة بشرح مفهومه للشعرية :

أولا ً : ذكر الديار والدمن والآثار سبب لذكر أهلها الظاعنين عنها , مع وصل ذلك بالنسيب والتشبيب.
ثانيا ً : عدم النظر إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه والى المتأخر بعين الاحتقار لتأخره ,
ثالثا ً : ليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب الأقدمين
رابعا ً : ومن الشعراء المتكلف والمطبوع , فالمتكلف هو الذي قوم شعره بالثقافة ونقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر بعد النظر .
خامسا ً : وللشعر دواع تحث البطيء وتبعث المتكلف : منها الطمع ومنها الشوق ومنها الشراب , ومنها الطرب ومنها الغضب.
سادسا ً : وللشعر أوقات يسرع ويسمح فيها منها الليل ومنها صدر النهار قبل الغذاء ومنها يوم شرب الدواء ومنها الخلوة في الحبس والمسير .
سابعا ً : وكل علم يحتاج إلى السماع وأحوجه إلى ذلك علم الدين ثم الشعر لما فيه من الألفاظ الغريبة واللغات المختلفة والكلام الوحشي وأسماء الشجر والنبات والمواضيع والمياه .
ثامنا ً : والمطبوع من الشعراء من سمح بالشعر واقتدر على القوافي وأراك صدر بيته عجزه وفي فتحته قافيته . وتبنيت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة . وإذا امتحن لم يتلعثم والشعراء في الطبع مختلفون . منهم من يسهل عليه المديح ويعسر عليه الهجاء ومنهم من يتيسر له المرائي ويتعذر عليه الغزل .
تاسعا ً: عيوب الشعر : الإقواء والعيب في الإعراب .
عاشراَ: ولكن حين نقرأ موقفه من مسألة القديم والجديد في النص الثاني نكتشف موقفا ً يناقض مواقفه الأولى , فهو يوحي لنا في النص الرابع أن الشعر ضد الصناعة لكنه يقف مع الصناعة في النص الثامن ,
حادي عشر : أما حين يتحدث عن حوافز الشعر فهو يرجعها إلى عادات إنسانية سلوكية على عكس عرب الجاهلية الذين ردوا الشعر إلى شيطان الشعر .
ثاني عشر : وهو أيضا في النص السابع يقرر وجود بنى معرفية في الشعر ولا بد من معرفتها من قبل القارئ ليسهل وصول الشعر إليه ,
ثالث عشر : وهو أيضا في النص الثاني ينفي قداسة وأسطورية الماضي المنتهي لأنه انتهى ..

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى