يا من داعبتْ أنامل بسمته خدّ حزني، وربّتت كفّ حنانه على الكتف المتشنّجة غضبا، ففاضت البهجة وراح الجسد يتراقص بخفّة متحرّرا من عقال توجّعه، ووجدتُني أبيتُّ لياليَ في صومعة الفرج حاملة لواء تحدّي الصّعاب ..
لمَ غادرتَ وتركت الجسد والرّوح يتقلّبان على رَضف الحسرة، وحجارة الفكر تجرجرني بين أزقّة الماضي وطرقات الحاضر قابضة على ثمرة الوهم، بعدما سقيتُ شجرة الحقيقة بماء الأمل، وقلبت تربها برفش الفرح منتظرة ثمرة السّعادة..؟
ها قد هبّت النّسمة الخريفيّة متحدّية دفء الملابس، مخترقة لحمي، وعابثة بأغصان فكري لتهزّها وتحاول إسقاط أوراق ما حملتْ بعد أن حافظتُ عليه من الاصفرار؛ ليظلّ حضورك هناك أخضر يانعا لا تطاله الصّفرة التي أبعدتك عنّي.. وإن أنستني الأيّام إرواءها ستظلّ مورقة رغم محاولة أغصان عديدة تسلّقها والالتفاف حولها.. كيف لا وهي الشّجرة التي زرعتَها قبل الرّحيل؛ لأتزوّد منها بعصا أتوكّأ عليها حين تحاول أحمال الحياة أن تقصم ظهري!
علّمتني ابتلاءاتك أنّي لست وحدي المرشّحة لأنتخب سفيرة لها، فكنت السّند والمستند الذي اقرأ بنوده لأتّعظ وأروي عطشي بإنجاز القليل، وأتروّى قبل الطّموح لتحقيق الكثير ..
قلّبت في حضوري صفحات كتاب تجاربك لأقرأ السّطور، وأهضم العبرة المستقاة من بينها فتزاوجت روحانا بأخوّة لم يعرفها الكثيرون .
سموت باسمك وترفّعت عن كلّ وضيع، وترفّعت عن كلّ وضيع فرفعت ما سقط منّي من رغبة تشحنني لإكمال المسير في السّبل الملأى بانهيارات صخور متاعب الدّنيا، ودعوتني لأزاحتها وتجاوزها، والاستمرار معزّزة بالرّغبة ومشبعة بالرّضا؛ محذّرا من التّلفّت للوراء لئلّا يتعثّر فكري بما أُزيحَ.
أمسكتَ بي لأنهل من ماء النّهر الذي نهلت منه، وما إن ارتويت وبدأت بتزويد غيري حتّى تركتني على الشّاطئ أتمرّغ بطمي التّساؤلات فترة طويلة، ولم يسعفني تعاقب الجريان بإجابة حيث لا إجابة لما خطّته يد القدر، ولن يفهمه عقل البشر حين التّنفيذ.!
هاتفتكَ قبل الرّحيل ولم تقل لي وداعا.. فأقمتُ مراسم الوداع حين فقدِك وتمنّيتها مختلفة عن أيّ وداع، لكنّ صراخ الصّدمة جعل حفل وداعك مشوّشا يخلو من حكمة الصّمت، وصمت الحكمة الذي تميّزت به وميّزك لأجله الكثيرون..
رحلتَ وتركتني في بئر غربة عن الذّات طويلة، حتّى طوّقتني يدُ رحمة الله وانتشلتني فبدأتُ بلملمة ذكراك؛ لأحتفظ بها لآلئ كنز أورِثها لمن بقي وأتى مِن بعدك… فكن مطمئنّا، وإن لم تغادرني بثياب السَّكينة.