تندسّ في عروقي صدى التجاعيد التي أرّخها الوقت على جدار الزمن المصفر، وهو يبكي المسافات بضجة الأقدام، التي تعلن تفاصيل الشجن من القناديل المصلوبة على أسوار الكلام. خيوط الصوت عالقة في حنجرة الليل، تصفق بحرارة لتسابيح الحروف وهي تشقّ أفق القنوط، حتى تتكسّر قيود الظلام، وتنطلق زفرات الصقيع التي احتبسها الاستفهام وهو يفكك أزرار البوح، في آخر وصايا الضياء المنقوشة على أفواه الكلمات.
نتنفس الشمس من ذاكرة الفجر، قبل أن يحجبها الأفول عن أسراب الحمام التائه في عنق السماء، وهو يبحث عن سحابٍ يعيد للحقول سنابل السلام. كيف يفقر التدبير في البوح؛ وعصافير المطر تراشق فوقك الأماني، وتختمر معها الأحلام بين شفاه الليل، فلا السطور تستوعب خطى الحرف لحجمها الكبير ولا تحجب عنها أنغام اللقاء. وأنا حلمٌ يقبع على جبين العتمة، يمارس عقوق الحياة بين فكّ الغربة والأبواب الموصدة أمام أرغفة الشعراء، ومسامير الحواس تطرق ألسنة البكاء، وهي تقاوم بدبيب الفرح خطوات الآلام. وتبقى الحروف مرآة الأفكار الحية التي ترتضع الندى من عنق الخيال.
يا للمصابيح التي توهّجت أضواؤها في حنجرة الكلام، والمداد تسلّل من ثقوب القلب عطراً، يزفّ للمسافات شوقه، وهو يتجاوز حراس مفاتيح الكلام. فالحلم بات حقيقة مزركشة قد همس في أذن الروح نبضاته الحية. هل الأيام ستكشف عن ساقيها، حين يغمرها الحنين، وحين يتدفق الشوق بين الخطوات. وهل سننتظر ألحان الناي كي تعزف تراتيل اللقاء بعد أن يرتدي الهلال ثوب البدر كاملاً؟
لا تلمني وأنا أغرد بصوت مبحوح، وجناحي مكسور، وبيتي العالي قد هدّته الغربان والصقور. وحدي أناجي الأماكن من الركود، والنخيل من السقوط، والبحر من الهدير، والرياح من الزمهرير. ألملم حروفي في عبادة مع خلوتي، في عباءة الجروح، وأنا الكسيح عن أرضي، وأنا كل الهذيان في كلّ ذاكرة التاريخ. فدعني أرسم تواشيح الحب على جدران القلب وأغني معزوفة النور في ليل غادره الظلام. وألوّح لقناديل الأمل السجود عند أقدام الأحلام. عندها فقط سأمحو أسطورة الحرب من دفاتر الحياة لتزهر عناقيد ضوء بين الشفاه.