تقوم جمالية العربية على مر العصور، ومنذ أقدم الأزمان على مكاشفتها المرموقة , وذلك من خلال استعمالها الدائر بين قبائل العرب وفي منتدياتهم ومغامراتهم ومواسم الأسواق والحج , ثم ما لبث أن نزل القرآن الكريم بهذه اللغة التي ثبت أنها قادرة على حمل المعاني الإلهية والكونية والإنسانية , وما زالت الوقائع والأحداث تثبت حتى يومنا هذا أنها قادرة على مواكبة العصر ومتطلبات العلم وآفاق المستقبل , وما ذلك إلا لقدرة هذه اللغة وخصائصها التعبيرية والتصويرية والاشتقاقية التي تضفي عليها بعدا جماليا خاصة حين تنقل لنا مشاعر الإنسانية تجاه الكون والحياة والناس, فتاريخ الأدب وتفاعلاته وتداخلاته هما منشأ هذا الفيض من الفن الكلامي , فإذا ما فتشنا عن سر جمالية الأدب وجدنا أنها تنحصر في أسلوبه (روحه و فصاحته وبلاغته ) التي تظهر ما لدى النص الأدبي من إمكانيات جمالية بحيث تجعله مؤثرا ً في النفس البشرية ، لأن الفصاحة والبلاغة هما ركنا الأدب الحاملان له وهما المعبران عن المعاني الإنسانية بشكل جمالي نافع .
إن بلاغة الكلام وفصاحته تضفي على النص الأدبي غلالة من الجمال بكونه موطن استقطاب من المتلقي .
وإذا كانت فصاحة الكلام هي الظهور والبيان , فإن الكلام الفصيح هو الكلام الظاهر البيّن بحيث تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج لغة ولا يعني ذلك المباشرة في تناول القضايا الأدبية , وهذا يعني أن من شروط الكلام الفصيح:
1- أن تكون الألفاظ فيه مألوفة الاستعمال .
2- أن تكون الألفاظ فيه في دائرة الكلام دون غيرها .
3- أن تكون الألفاظ فيه حسنة الوقع والتعبير عن المعاني .
4- استلذاذ السمع لهذه الألفاظ والميل إليها. مثلما يميل السمع لصوت البلبل دون الغراب وصهيل الفرس دون نهيق الحمار وكذلك الألفاظ فاستعمال ( الديمة) للسحابة يستلذه السمع أكثر من استعمال كلمة ( البعاق ) .
5- مطابقة هذه الألفاظ للمعاني من ثلاثة أوجه :
أ- مجانبة الألفاظ للغريب والوحشي الممجوج من السمع .
ب – تنكّب اللفظ المبتذل والابتعاد عنه .
ج – البعد عن الكلام المسترذل المكروه .
6- الخلو من التعقيد اللفظي والمعنوي .
7- البساطة في المفهوم .
8- عدم التكلف والتعسف .
9- العذوبة والرقة
أوصاف البلاغة
وقد وصف فحول البلغاء والفصحاء البلاغة بأنها :
1- أحسن الكلام نظاما ما ثقبته يد الفكرة ونظمته الفطنة .
2- أحسن الكلام ما عجن عنبر ألفاظه بمسك معانيه ، ففاح نسيم نشقه وسطعت رائحة عبقه .
3- خير الكلام ما أحميته بكير الفكر وسكبته بمشاعل النظر وخلصه من خبث الإطناب ، فبرز دون الإبريز في معنى وجيز .
4- خير الكلام ما نقدته عين البصيرة وجلته يد الرويّة .
5- أحسن الكلام ما اتصلت لُحَمُ ألفاظه بسدى معانيه .
6- البليغ من أخذ بخطام كلامه فأناخه في مبرك المعنى .
حيث يبدو أسلوب توصيل المعاني من السهل الممتنع الذي لا يضاهيه أحد ولا يبلغ شأنه كلام .
ولقد جاء القرآن الكريم أعلى الكلام بلاغة وفصاحة في الدرجة العليا من الفصاحة ثم كانت بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدها الشعر الجاهلي والإسلامي في غير المنحول .