أدبقصة

دِماء ودُمَى

ذكاؤه الحاد انقلب إلى نوع من الدهاء والمكر، يفتك بمنافسيه على رقعة الشطرنج. منذ طفولته وهذه الهواية تكبر معه، يمارس حربه الضروس على رقعة الشطرنج عدة ساعات كل يوم. أقرانه يجدون في لعبة الشطرنج هواية لتنمية مهارات الذكاء وتجربة الخطط المختلفة وتقوية الملاحظة وسرعة رد الفعل وتسلية ممتعة. أما هو فيشعر أنه يمارس القتل الحقيقي من خلال اللعبة الشهيرة. كل طاقة التدمير الدفينة لديه يترجمها على الرقعة، يمارس القتل الفعلي عندما يقتل جنديا ضعيفا في خط الحماية الأول من جيش المنافس.
عندما يقتنص فيلا أو حصانا يشعر أنه يفتك بالجيش المنافس فتكا. وعندما يأخذ (طابية) فقد قام بتدمير قلعة من قلاع الأعداء.

تنامت داخله الفكرة الجهنمية وهو يمارس اللعبة ساعات طويلة لتشغل جزء رئيس من حياته اليومية. تطور الأمر من حب تدمير الخصم على الرقعة، إلى إجادة فن التضحية بالقطع والدمى من جيشه في سبيل الوصول إلى هدفه الأكبر وهو النصر الساحق الماحق. لم يعد يهتم كثيرا بجنوده الضعفاء وهو ينقلهم نقلات تبدو متهورة متسرعة، ليحصدهم المنافس حصدا، طالما أنه يفتح طريقا في جيش المنافس للوصول إلى قلب الملك، ويحرص كل الحرص على جندي واحد أمام الحصان في الجبهة اليمنى من الرقعة، يبقيه ساكنا لا يحركه أبدا مهما استدعت ضرورات اللعب، ربما يحتاج إليه في الترقية إلى وزير عندما يخسر وزيره في لعبة مندفعة أخرى لإغراء المنافس بفتح ثغرة جديدة يحاصر بها ملكه.

ليس لأي دمية من دمى الشطرنج قيمة خاصة عنده إلا بما تحققه له من نشوة الانتصار. جميعها قابل للتضحية ليحقق الفوز الأكيد. ضحكة خبيثة يطلقها عندما يحقق الفوز بالمباراة ومنافسه يقارن بين عدد قطع كل منهما على الرقعة ويقول له في حسرة: – كيف خنقت الملك، وعدد قطعي تقريبا ضعف عدد قطعك، ومع ذلك تفوز بالمباراة؟!
تتحول ابتسامته الكريهة إلى ضحكة عالية أكثر بغضا وضراوة وهو يهمس بصوت كالفحيح ضاغطا على أسنانه:
– ليس المهم أن أضحي بأوراقي كلها فالعبرة بتحقيق هدفي النهائي. وقد تحقق.

مع سنوات العمر وتقلد المناصب القيادية تحولت معه الهواية البغيضة للقتل والتدمير والتضحية بقطع جيش الخصم وقطع جيشه معا للوصول لنصر شخصي يحقق له النشوة العارمة، إلى واقع يمارسه. وتحولت الدمى المتساقطة على رقعة الشطرنج إلى دماء في الميدان.
القتلى يتساقطون وهو منتش يشعر بقرب الوصول إلى خنق الملك بعد نقلتين أو ثلاثة ولو ضحى في سبيل ذلك بوزيره الأول والفيل والحصان والطابية.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى