أدبقصة

خلف الكواليس

بأعلى صوته، يردد طلاسم غير مفهومة، مسبحة بيضاء تتلوى على معصمه، يرعد جسمه داخل دراعة خضراء، على خديه بقع سوداء غامقة تزيد وجهه غرابة. يمدد عنقه إلى السماء، يشير بإبهامه إلى الفراغ.

تجمع خلق كثير من حوله، أصبح وسط دائرة من الأجسام البشرية، يجمع أصابعه إلى راحة يده، يطلقها، ينفخ فيها. يرفع يده اليمنى، يبسط كفه لإيقاف الحديث مع الغائب، يسأل، يتنصت. ينتظر الجواب، يصفع خده عدة مرات، يهز رأسه بالموافقة. في الحين أدركت أن صوته لا يخفى على أذني، لكن حركات العجوز الأعرج سرقتني، فلم أبالِ.

تهامس الناس، وشوشوا. بفطنته أدرك أن صمتهم قد يتحول إلى احتجاج صاخب، جفف وجهه بمنديل أخضر. حك أنفه فسارع إلى تغيير طريقة اللعبة في الحين.
قال لهم: كيف تجدون قلبي؟ قالت امرأة بدينة: إنه يتمزق ويحترق. من وسط الناس نطقت فتاة جميلة، شيخنا: هل الشيطان يتزوج ويلد؟ دخل شاب أنيق وسط الحلقة، استدار نحو الجماعة وقال: أنا أعرف الشيطان، وقادر على إحضاره في الحين.

ارتعشت أنفاس العجوز، لامست دهشته وجوه الحاضرين، شرع يوزع أحجبة مربعة على الخلائق البشرية وهو يبتسم دون اكتراثه بالحاضرين. دققت النظر في وجهه، صفعتني اللحظة، سرقني المشهد، لوى الشك أفكاري.
خفت أن يراني اللعين، تواريت عن عينيه خلف رجل يتغذى جسمه من سمنة فائضة. قلت في نفسي: إنه هو، لكن …ما أعرف عنه أنه لا يعرج ولا يغمز في سيره أبدا.

رفع العجوز عينيه نحو السماء. دس كل النقود التي جمعها في جيبه. بخفة رفع دراعته فوق ركبتيه، وانسل خارج الحلقة هاربا وهو يردد: إنه هنا .. إنه هنا. انتبهت فلم أجد أحدا، ابتسمت في خجل.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى