نسجت العنكبوت خيوط بيتها في زاوية فوق سرير الزّوجين، محتلّة مساحة واسعة من تلك الزّاوية، وكأنّها واثقة من ديمومة الإقامة. نظر الزّوج بعينيه الّلتين أثقل تعب النهار جفنيهما إلى أعلى الغرفة ليريحهما، فوجسَ خيفةً، لأنّ عيونا جاحظة تحدّق به.
استعاذ من الشّيطان وفرك عينيه ليمعن النّظر فيما تراءى له، فرأى العيون لا تزال ترسل سهام نظراتها صوبه. قفز من مكانه ووجيف قلبه يراقص جنبات صدره، أحضر عصا ليهدم البيت على ما فيه، إلّا أنّ العنكبوت استطاعت الإفلات، ووقعت أرضا. فبدأت رحلة البحث المضنية، حيث لم يترك بقعة إلّا ونبشها إلى أن تمكّن من إيجادها متشبّثة بأسفل السّرير، في بيت يختلف عن ذاك الذي قطّع أوصال شباكه. لمس الخيوط بعصاه وهو يدرك أنّ أوهن البيوت بيت العنكبوت، ولكنّه لم يستطع له نقبا، وكأنّ تلك الخيوط الحريريّة قد أصبحت مطّاطيّة ومتماسكة، تتجول العنكبوت داخلها بحرية واطمئنان.
اعتراه العجب، وازداد ارتفاع صدره وهبوطه، فقرر اقتلاع البيت بأكمله. أخذ سكّينا وبدأ بنزع الأوتاد اللّاصقة بخشب سريره، وكلما أفلح بانتزاع واحد، أحسّ أنّ العنكبوت تفرز نسيجا جديدا حولها لحماية نفسها، وفي ذات الوقت تضاعِف غدّته الكظرية إفراز “الأدرينالين”، ممّا جعل التّعب ينال من جسمه الحظّ الوفير.
استمر في محاولته إلى أن خارت قواه، لأنّ حصن العنكبوت كان منيعا. فوقع أرضا وجسمه ينضح عرقا. عزفت الساعة ألحانها معلنة السّابعة صباحا، فاذا به يستفيق مذعورا وباحثا في جنبات غرفته، مقلّبا فراشه الذي غادرته زوجته لتحضّر طعام الإفطار للعائلة. لكنّ محاولاته باءت بالفشل، ولم يجد العنكبوت، رغم أنّه يدرك أنّ شعار النّظافة هو من شعارات زوجته المقدسّة، وأنّها لا تسمح لتلك الخيوط الواهية أن تمكث في بيتها لحظات – هذا إن أفلحت العنكبوت في دخول البيت! إلّا أنّ بعضا من الخوف الذي عاشه أثناء حلمه قد ترك عليه أثرا في يقظته.
دخلت زوجته الغرفة متفاجئة من الفوضى التي أحدثها، وسائلة إيّاه عمّا يبحث، فأخبرها أنّه رأى في منامه عنكبوتا في السّرير، وربما يكون ما رآه حقيقة.
أفترت شفتاها عن ابتسامة ساخرة هامسة: لا تجرؤ حشرة أصغر من العنكبوت على دخول بيتي، فاطمئنْ!
غادر البيت متوجّها إلى عيادته، والأفكار تجول تلافيف دماغه وتأبى أن تلقي عصا التّجوال. فهو يخاف العناكب منذ صغره، حيث وضع له أحد التلاميذ عنكبا في حقيبته، ولمّا أخرج كتبه صرخ هلعا، فأثار ضحك وسخرية زملائه. فلماذا يرى العنكبوت الآن في منامه وتحديدا في غرفة نومه؟!
داهمته التساؤلات والحيرة. بحث بين كتبه عن كتاب لتفسير الأحلام أهدته إيّاه ذات مرة إحدى مريضاته، التي تؤمن كثيرا بهذه التفسيرات التي كتبها “ابن سيرين”. اطّلع على باب تأويل الهوام والحشرات في المنام، فاذا بتفسير رؤية العنكبوت في المنام لمما يثير الاستغراب والعجب. فهي امرأة فاسقة تهجر زوجها.
طوى الكتاب وأبعده عنه متضاحكا، ثم أكمل يومه والتّعب ينال من جسمه نصيبا، والفكر يحتلّ من عقله مساحة! ما لهذا الكابوس الّلعين يرسم دائرة حولي، مطوّقا فكري وجسدي؟ كيف أسمح أنا الطّبيب لمثل خرافات التّفسير هذه، أن تأخذ دقيقة من وقتي؟! يجب وضع حدّ لذلك! خاطب نفسه وجلس أمام شاشة التلفاز بعد عودته إلى بيته،، ثقلت أهداب جفنيه محاولة شدّهما إلى الأسفل للإغماض، فتحوّلت صور بعض النساء المعروضة أمامه مسوخا لعناكب تحدّق فيه عبر زجاج الشاشة. غضب وترك الغرفة ممسكا رأسه بكلتا يديه لثقله. وما أن رمى برأسه على مخدّته، حتى تحوّلت كلمات تفسير “ابن سيرين” إلى شريط لا يتوقف عن العرض أمام عيون مخيّلته. امرأة فاسقة… امرأة فاسقة.
استجرّ لشيطان تفكيره الذي صرعه، وبات عبدا له. فكّر ب “أسمى” زوجته، التي تذكّر أنّها قلّلت من اهتمامها به خلال الأسبوع الأخير، بعد أن كانت تكثر من مهاتفته، وإرسال الرسائل الخليوية، لتخبره بكلّ شاردة وواردة. تفحص الرسائل فوجد أنّها لم تكتب له منذ عشرة أيام! أيعقل أن يكون هذا الحلم تنبيها لي لفحص سبب انشغال زوجتي عنّي؟ تساءل حائرا، وبدأت تتجاذبه حبال الشكّ يمنةً، وخيوط اليقين يسرة!
جلس يرتشف قهوة الصّباح مع “أسمى”، وأثناء حديثهما طلب منها أن تتصل به عندما تريد أن تذهب لقضاء حاجاتها، وألّا تتردّد كثيرا على صالونات التّجميل كما اعتادت، والأفضل أن تكون ملابسها أكثر احتشاما وذات ألوان داكنة!
استغربت “أسمى” هذه الطلبات المفاجئة، لكنها لم تمتعض. وقالت له: سأحادثك فيما بعد. مرّ أسبوع والزّوج لا يعرف هدأة للبال، فصار يخرج أحيانا بعد أن تتصل به زوجه ليتأكد من صحة ما تخبره به. ولكم صعق بعد أن رأى سيارة “أسمى” رابضة أمام محل لبيع الملابس الرّجاليّة.
دخل خلسة إلى المكان، جال في أركانه، فلم ير زوجته، اخترق أذنيه صوت رقيق يحادث رجلا ينبعث من آخر الردهة، تتبع الصوت، فرأى أن زوجته تجلس قبالة الرّجل، وعلى يمينها مغلّف منتفخ حاولت إخفاءه لمّا رأته، وهمّت بتحريك شفتيها لترشّ في وجهه أجمل كلماتها كما عوّدته! إلّا أن شفتيها بقيتا متشنّجتين عندما طرقت مسامعها كلمة (ط ا ل ق) من زوجها الذي لم يتمالك أعصابه، ورجمها بكلمات شريط كابوسه التي لم تفهمها: العنكبوت امرأة فاسقة!
في المساء، قرع أحدهم باب بيته ليقدم له مغلّفا منتفخا، طبعت عليه قصيدة كان يكثر من إسماعها لزوجته، وأبلغه أنّ امرأة تدعى “أسمى” كانت قد طلبت إيصال هذه الهديّة في هذا الوقت إلى هذا العنوان!
تبعه آخر يقدم له باقة من الورود المزّيّنة بكلمات شبكَتْها خيوط حريريّة: يوم ميلاد سعيد، وحياة رغيدة، ومعا إلى الأبد!
قصة متشابكة كتشابك خيوط العنكبوت تساءلت لما هذا الطبيب مصاب بمرض الهلوسة وهو يرى في الاحلام العناكب كما تساءلت لما الكاتبة قارنت زوجة الطبيب العنكبوت وهل طلق الطبيب اسمى ام انها اضغاث احلام وفقط ام ان الطبيب حقيقة مريض يعاني من واقع مملوء بالشكوك ام ان الواقع اصبح لا يحتمل وصارت الدنيا كابوس لا يطاق حيث كثرت العناكب في زماننا هذا المهم لقد اعدت القصة عدة مرات فوجدت ممرات فسقطت عدة مرات لا ادري هل انا احلم ابوبكر الجزائر شرقا