انتظري بغضي .. قصيدة من ديوان البغض
شعرت بقدر كبير من الهيبة وأنا أعالج أثرا ً من آثار شيخ العربية الأستاذ العظيم: محمود شاكر رحمه الله!
وإن لم تكن تعرفه فبين يديك شبكة المعلومات فابحث، وسترى أيّ جبل شموخ يمر الناس ولا يحسنون إلى أنفسهم بالاستفادة منه.
لكن العلاّمة الراحل هدأ من روعي وخفف من تهيبي وأعانني على نفسه بقصيدته الرائعة: انتظري بغضي. فكأنه يربت على كتفي ويقول: هوّن عليك؛ فإنما أنا رجل كباقي الرجال، أحب وأبغض.
ورغم غرابة العنوان إلا أني بعد أن استقصيت التجربة الشعرية رأيت الجانب البشري الإنساني من هذا االعلـَم؛ إنه رجل يهفو قلبه للحب، وهو شبيه بنا جميعاً عندما نرغب في وفاء الحبيب، ونغار عليه، وتعذبنا قسوته وصده، ويكسر قلوبنا غدره ولؤمه.
نعم شجعني الأستاذ العظيم أن ألج إلى دنياه العاطفية، وأن أطالع كيف عشق، وكيف غـُدِر به، وكيف انفطر فؤاده، وكيف خرج من تجربته بالخسائر نعم؛ لكن لم يكن ضمن قائمة خسائره كرامته.
وقد مضى في حياته المديدة يعطي الأدب والثقافة والفكر وأمته زبدة قلبه، وعصارة فكر جبار.
ليس لازما ً في تجربة شعرية عبقرية أن تكون غير مسبوقة، يمكن أن يدندن الشاعر حول غرض مطروق لدى الشعراء، لكن العبقرية تتبدى في جريان الشاعر في مسارب مميزة على نحو من الأنحاء.
ولقد أنشد الشعراء في كل العصور في الشكوى، ومن كل شيء تقريبا ً، وعلى رأس شكاواهم الحبيب لا العدو!
لنشرع مع المبدع ولنفهم كيف أوصلته امرأة أن يقول: انتظري بغضي!
منذ البداية والمحب الغارق في هواه يتعلق بالأوهام التي تتصارع في داخله مع المنطق والحجة، ويقابل الرأي الذي يوافق هواه بنقيضه الذي يلزمه بالتعقل، وهو في وجع ومضّ بين الغيظ والرضا، ولا ينتصر أحدهما؛ فحق له أن يعجب من نفسه- وهو الخبير- كيف تتوصل امرأة لإيلامه!
حببـْتـُكِ والأوهامُ فـِكري، وحـُجـّتي
تؤلـّب بعضي- في هواكِ- على بعضي
إذا ما نـَقضتُ الرأيَ بالرأيِ؛ ردّني
إلى خطـَراتِ الوهـمِ مضٌّ على مضّ
أصارعُ أهوالا ً من الغيظِ والرّضى
وما يتولى الغيظ فوق الذي يـُرضي
عجبتُ لمنْ راضَ النساءَ ورُضـْنه
ويقضينَ من إيلامه دون ما يقضي
وما دام قد حدثنا عن عشق النساء فهو يصف في روعة وتفرد ما يحدث للرجل إن وقع في الحب. الأمر لن يتوقف على سهام يتبادلها والمرأة، لكن الكريم سيتعرض لذل؛ وسيسكت عن أشياء لو ناصب الدهر العداء ما سكت عنها.
ويرمينـَه بالسهمِ .. ليس بضائرٍٍ
ويرمي بما يحمي الجفونَ من الغمض
فكيف به قد ذلّ وهو مكـَرَّمٌ
وأغضى.. ولو ناصبَ الدهرَ لم يـُغـْض
ثم انظر إلى هذا البيت الذي يلخص ذل المحب في بياته وصبحه وإمسائه…
كفى بك ذلاً أن تبيت على جـَوى
وتصبحَ على ذكرى، وتـُمسي على رمْض
وليت الأمر يتوقف على ذلك؛ فالدنيا تصير ما دار حول المحبوب، وتتعطل من ذي الهمة همته، فلا يجوب في مناكب الأرض. ولذة قرب المحبوب- رغم ما يشوبها- تمنع لذات عديدة من فرح خالص..
كأنك لم تـُخلق لدنيا تـَجوبـُها!
وما أضيقَ الدنيا من الحدَق المـُرْض
فهن اللواتي زِدْنَ في العيشِ لذّةً
فأقصـَيـْنَ لذاتٍ من الفرحِ المـَحْض
ثم داخلت الشاعر ريبة، ولا يترك قراءه قبل أن يجعل ريبته في بيت من الحكمة يرسله لمن يتدبر، فليس كل الظن مذموم؛ وبعضه ينجي، ويغير الحظوظ..
شككـْت وقد تـُنجي من الشرِّ رِيبةٌ
وتـُبدِلُ مـُسوَدَّ الحظوظِ بمـُبيـَضِّ
لم يستجب صاحب التجربة لشكوكه منذ البداية، وقد قدمنا أن نفسه قد حملت صراعا ً هائلا ً. وهو يحكي سكوته- مقابل الحب- على شكه، وتجاهله ظنونه في طاعة! وكل ذلك مفضوح باقتحام يغلبه وغيرته وعينه وتسارع دقات قلبه. قلبه يؤكل، ويكتم في رضا، ويضيع شبابه بين كل هذا، ولا يبكي الشباب الذي يضيع!
لقد كنتُ أمضي طائعا ً غيرَ جامحٍ
وأرضى بإطراقي على الريـْبِ أو غـَضّي
ويفضحني فيكِ اقتحامي وغـَيـْرتي
وطرْفي، وما جـَسّ الأطباءُ مـِن نـَبضي
ويأكل قلبي ما أكـَتـّم راضيا ً
فما بكـَت العينُ الشبابَ الذي يـَمضي
لا شك أن القارئ متشوق الآن ليعرف موقف الحبيبة، وهذا هو. إنها فرحة بما يعانيه صاحبها، لا تلقي بالاً.
إنها وحش، وسبحان من زين هذا الوحش بكل رونق!
وموقف الشاعر أعجب فهو راض بمخالب الوحش الجميل!
وأنت .. لـَعـَمري في سرورٍ وغـِبطةٍ
يـَسرّك بـَسطي في الحوادثِ أو قـَبضي
أأنثى ووحشٌ؟! جلّ خالقُ خلقـِهِ!
وسبحان كاسي الوحشِ من روْنـقٍ غـَضّ
وأعجبُ منه لذّتي ومـَسرّتي
على حينِ نهشي في المخالبِ أو نـَفـْضي
وآن الأوان للمبدع ليتخلص من كل هذا الذل، وقد بغـّضنا في حبيبته!
هذا شاعرنا على وشك التمرد والرفض لما آلت إليه أحواله، وقبل ان يفارق يجلي ما أحدثه هذا الحب من ألوان الخسارة الفادحة، والتي أبى الشاعر أن تصاحبه باقي حياته. وكيف يحمل إنسان ذو كرامة اللظى في دمه، والجرح في فكره وقلبه؟!
وإلى متى يخاف تقلب الحبيب وغرابة أحواله خوفاً يصاحبه سراً وجهراً، ويعيش متوجساً كالنمر الأرقط.
هذه الحبيبة لا تستحق هذا الانشغال في فجره وفي أحلامهً، وذروة الظلم أن يعيش مسحوراً وتعيش في رغد!
فيا سوء ما أبقيت في الدم من لظى
وفي الفكر من كلم وفي القلب من عض
أخافك في سري وجهري، ومشهدي
لديك وغيـْبي ، خوف أرقط منقض
لقد كنت أحلامي- إذا الليل ضمني
وكنت – إذا ما الفجر أيقظني- روضي
يناجيك طير في الضلوع بلحنه
لقد عاش في سحر، وقد عشتِ في خفض
وكنت على ورد الخمائل زينة
وكان بشير الفجر في الفنن الغض
وأخيراً انتهت الحبيبة ولا خير،ولا لقًى، ولا يملكها على الحقيقة. امرأة لا تسمع لقلب حبيبها، تروم المساءة وتتوقع الحب!
ولن يكون حب. وإنما قصيدة من ديوان البغضاء.
فاصبحتِ .. لا خيراً فيـُرجى، ولا لقًى
فيـُلقى، ولستِ من سمائي ولا أرضي
تصاممت عن قلبي ورمتِ مساءتي
وتنتظرين الحب؟! انتظري بغضي!
اليك هذه القصيدة الرائعة حيث يخلص فيها الشاعر الى وصف حبيبتها وهي زوجته كما فهمت في هذه القصيدة ذات معنى عميق وذات مغزى كلماتها دالة تحمل معاني سامقة كما أن عاطفةالشاعر صادقة يشوبها حزن وألم ووصف زوجته كأنها وحش ورغم هدا فهو يحبها
فهو يصف زوجته بالوحش فهي لم تهتم به ولم تستجب لعواطفه وقد اهملته فكان رده عنيف جدا وقوي كأنه يريد أن ينتقم منها في كلمته الجزئية : انتظري بغضي = فهو يهددها بعد كل محاولته للتقرب من أحاسيسها لكن لجفوة يا أصحابي تحعل الإنسان في كبد يشقى ويتعب في احياة فالله معنا تقبلوا تحياتي الحارةأبوبكر شرق الجزار