وَعْدٌ يُشاطرُهُ نشيجُ طيفِ المتعبينَ الوالهين، ذكراهُ، معناه تحدو عن زمان الأغنياتِ الخالداتِ الوافِراتِ الوارفاتِ، بل إنَّها حيرى مناظرُهُ إذ تسائلُ صاحِ بيُتمِ الطرقاتِ ولا من مجيبِ، أو تسألُ الليلَ المجادلَ والمعانيَ وأسرابَ القَطا، وفجاءةَ الوحيَ القديمَ، وبعضَ شواهدِ التقويمِ، ويْكأنّها دونما وعيٍ تذاكرُهُ نشد السَّلوى، واها لعاطفة خاطرةِ الحبيبِ، تحاورُها أشواقُ السواقيَ في نشوةِ اللقاءِ المرتقب القريب المترفِ بالمآقيَ.
وحين تسأل: أوَ تصدقُ آمالي يراعة الساهرينَ؟ نديمُها أرّقت صحوَ الحروفِ مواهبه، وأُهيلُ صفوِ الوفا، وأنداء الأشهادِ، تهمي عليَّ منهمُ مصادر التأريخِ، لتمضي عجلةُ الأديبِ إلى حيث ملتقى وظلال الأراك، كي يراها وتراه، ولأجلها رضيتُ مورد الآهاتِ مشاعرًا تختال فيها الشواعرُ. حتى إذا صحوتُ أشتمّها كيما يصحّ اليقينُ ويندى الوتين، ولأجلها رضيت أسهرُ محتفلاً بأرزاق السَّحَرِ ولو قلبي عثر.
اللهَ اللهَ يا رند الخواطرِ، أيقنتك ألقا يعانق الأهل في مشارف الخافقَيْن تلقاء رسوم الحنين، فهمُ ماضي الربيع المؤثّلِ وحاضرُهُ البَهيج، همُ الأكابرُ تنحني لهم ربّات الجمالِ وما ضمّت مفاخرُ الدلالِ، عهد ما نالوا عروجَ الياسمينَ عند حضرة البقاءِ، وللفناءِ أثيرٌ ونورٌ وحسٌّ طابَت محابرُهُ. فارتقبْ سُقيا فؤادٍ ومعارفٍ لا تلينُ، وطوبى وقُبلةُ النَّدامى في الشتاتِ، والسرائر التي ناخت على الأعتابِ. أنعِمْ وأكرمْ بها، حيالها الزيزفون الباكي وقد أبكتني مقادرُهُ، والحشا والهوى وحرفي المدنفُ. ومن قبل اللقاء، وبعد ارتحال القِرى صوب شجو الليالي تسري ضحكاتهُ الساحرات.
يا رسول الخزامى والأيامى: هاتيك بصائرُ الطرب المباحِ في طيّها لغة الأرواحِ حين ينعقد اللسانُ، أوَ تنضبُ من نمير البوْح سوانحُه؟ تُرى ماذا يقولُ البينُ ولا حرفٌ قريبُ؟ حين احتواه الذنب العتيقُ، يعصي ومضتي فما آبت عنادل بوْحه؟
ماذا تقول العينُ ولا أملٌ يصيخُ إلى كلّ مبنى رقيقاتٌ مدامعه؟ أنّى ارتمينا في لهو قارعة الطريق، والأصيل أصداؤه خجلى، وسواري المغاني والغواني، ومجدٌ تناجيني شواطئه، وتشجيني غلائله. ذاك أنَّ المدى حين يحتبس الخافقينَ يفنى، ويمضي يحتسب الزمن الثمينَ، وفارق الوقت بين فسحة الودِّ وترياق وليٍّ رقا الإيهامَ شاعرُهُ، فقولي للظلال وللأقاحي مرابعنا الوارفةِ المتعبة: كيف الخلود على مكثٍ سيغمرها؟ والوصلُ والإيناسُ وتنائي أفئدة الوالهينَ، وأحلام أعسرٍ لجْلجتْ فينا نوادرُهُ؟ متى يجبُّ عن النبضِ جُبَّ الحزانى؟ وفي عمق أعماق الشعور تزدهي الصورُ؟ لقد توسّد الزهر قطر الندى، والخليّ الأريب حادي دوْحِ الخلاص تنادينا حروفه والنشيد، كالفجر يغبط نسمة الأسحارِ، يتشظى، يتماهى، يتغنّى كالهديلِ، وملء سمعي مذاهبه، فباطنُه هزّ روحي وظاهرُهُ.