قبل أن يزوره الضيف كان عم أحمد يعيش هو وامرأته وعياله في أمن وسكينة، في دارهم الذي لم يكن يشبه القصور، لكنه متين البناء بحيث يمنحه القوة وراحة البال حين يأوي إليه..
المزارع البسيط في القرية النائية يجد قوت يومه بالكاد والستر نعمة يستأسر لها المستورون.
ينام عم أحمد وأسرته في غرفتين بالطابق الأول، ويتركون الطابق الأرضي للمعيشة واستقبال الضيوف..
بعد انصراف الضيف انقلب حال عم أحمد.. حاولت عشيرةُ عمرِه أن تعرف ما ألمّ به، وهي التي تفهمه قبل أن ينطق! عم أحمد ولا شك لم يعد الرجل الذي تعرفه.. اكفهرار وجهه وتهدُل كتفيه، والنظرة الغريبة في عينيه.. لم تكن نظرة حيرة خالصة، أو ألم خالص، أو حزن خالص، ربما كانت خليطا لم تُدرك كنهَه، وربما كانت نظرة خائفٍ من مجهول يقترب بسرعة البرق!
القرار الذي أخذه عم أحمد بحسم رافضا النقاش حوله، أن تنقلَ الأسرة أمتعتها ليناموا الليلة في الطابق الأرضي رافضا أي نوعٍ من التبرير أو التعليل.
في صباح اليوم التالي ذهب لاستشارة كبير مهندسي القرية. القرية أساسا سكانها معدودون، وكبير مهندسيها لم يكن سوى المهندس الوحيد بها، لكنه كان كهلا يوحي بالثقة.
افتضح الأمر. بعد المعاينة قال المهندس الكهل مخاطبا عم أحمد وهو يقف بباب الدار يهم بالانصراف:
-القواعد التي اهتزت هنا(وأشار إلى رأس عم أحمد) وليست هنا (ودق بيده على جدار الدار الملاصق لبابه).
الضيف لم يكن ضليعا في فنون العمارة غير أنه كان سليط اللسان متقعرا، يُلقي ملاحظاته بثقة مطلقة كأنها قوانين كونية حاكمة.
حار أبو أحمد بين تأكيدات المهندس الكهل، وبين فلسفة ضيفه الزائر.
حتى أُم العيال صارت تشعر برجّة في جدران الدار كلما مرّت بجواره عربة يجرها حمار.
– العُمر ليس للبيع، والاحتياط واجب.
قالت له ثم أضافت في لحظة إلهام لا ريب فيها:
– ماذا لو انهار الطابق العلوي فوقنا ونحن نائمون أسفل منه؟
– ماذا ترين يا أم العيال؟
سألها الزوج المهموم في بَلادة استجدّت فيه.. أخيرا استقر الرأي أن تبيت الأسرة ليلتها خارج المنزل على الرصيف المتاخم له..
حتى هذا الحل لم يُعد للأسرة يقينها المفقود؛ فرغم النوم بالعراء؛ ظل هاجس انهيار أجزاء خارجية من المبنى احتمالا واردا.. قد يصيب حال حدوثه النائمين على الرصيف المتاخم للبيت!
لم يعد أمام عم أحمد إلا أن يَرهن القيراطين الذي يأكل من ريعهما، ليكتري بيتا آخر في القرية.
المعضلة التي لم يجد لها حلا هو وزوجته وأولاده كانت إجابةسؤال يقول: من يضمن أنّ قواعد البيت الذي سيكترونه أكثر أمانا من قواعد داره؟!
وبرز السؤال حائرا:
– هل في القرية كلها بيت مأمون متانة قواعده؟!
أخيرا بعد طول عناء الأسرة، وكثير لغط وانقسام بين أبناء القرية، نقل عم أحمد وأسرته متاعهم ليناموا في طرف القرية بجوار المستنقع العفن؛ هناك حيث لا بيوت يُحتمَل سقوطها فوقهم!