نثر

رسالة من محب

إنها الحياة

تبدي من معادن الناس ما كان خافيا، وتظهر من طباعهم ما كان سرا، فتجليه علنا لكل ذي بصر.

إنها العشرة وطولها، والمخالطة وكثرتها؛ تكشف مكنونات النفوس، وتبرز أدواء القلوب.

كنت أظنك راقي التفكير، وكنتَ حين كنتُ أريد أن أراك يرنو بصري إليك في عليائك، فإذا الأيام قد أرتني منازلك، وذهب ذاك السراب فلا شيء هنالك.

لم أظنك يوم التقينا هكذا تكون، هل تتذكر أول كلمات بيننا؟

هل تذكرت أول لقاء جمعنا؟

كم كانت نظرتي الأولى لك صافية نقية، لقد بدوتَ في ناظري كذهبٍ في جوهرك، وكماسةٍ بين يدي في نقائك وصفائك.

أين أنت الآن؟

فإني لا أكاد أجدك.

هل كنتُ مخطئا فيك يومها؟

يوم بذلتُ حر فؤادي، ومهجة نفسي إليك؛ فملكتَها.

يوم كنتُ أتتبع كلماتك؛ لأعلق عقدًا من أجمل كلماتي عليها.

يوم أخلصت في تفاعلي معك وصادقا؛ فما لي اليوم كأنك اختفيتَ فلا أراك؛ كما كنت من قبل إخالك وأراك.

هل أنا من تغير حالي، وتنكرت للمحبة أحوالي؟ ربما

أم أنت من ترك مبادئه، فانتقلت من ضفة لأخرى عابرا واديا قد انسلختَ فيه من كل ماضيك.

تنكرتَ لقناعاتك، خضع فكرك، حار تعاملك، ضعفت أمام سلطان، وتَنازلت لأجل مقامات.

قد أكون قسوت في بعض كلماتي عليك، لكن لتعلم علم اليقين أنها عتاب مُحِب إليك، ونصيحة أخٍ رفيق درب حريص عليك.

أعلم أن بداخلك إنسانا حقيقيا وإن سترت معالمه ظلمة الأيام، وأعلم أن بداخلك قلبا حيا فيه بقايا دافئة، وأنك تملك فؤادا لا زال ينبض بمعانٍ راقية سامية.

فارجع وعد إليه، واثبت على دربك، واصبر على مبدئك وقناعتك، وشد على الجرح ولو كان الألم قاسيا، فإني أُحس بك وأشعر.

واستمر قدما ولو خلا وقَلَّ في الطريق الرفيق، ولا تيأس ولا تتلكأ ولا تفتر، ولا تلبس لكل شخص قناعا، ولا تصطبغ لكل حادثة ومكان بصبغة ولون.

فستهتك تلك الأقنعة وتمزقها صوارف الأيام، وسيذهب نور الشمس ويزيل تلك الصبغة والألوان.

فخذها واقبلها مني إليك، نصيحة محب ومشفق عليك:

“لن يبقى ويدوم مع مرور الساعات وتعاقب الليالي إلا الحقيقة والصدق”.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى