فنونمسرح وسينما

رنا صوالحة .. مشروع إنقاذ الفراشات

شاركت الأردن بفيلم قصير باللغة الفرنسية ، تحت عنوان ” رحمة ” يحكي عن أخلاق سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم في المهرجان الفرنسي الذي أقيم تحت شعار “حدثونا عن النبي” لتعريف العالم بالدين الإسلامي .
رنا صوالحة مخرجة الفيلم تقول ” الفيلم يعكس أخلاق النبي من خلال رحلة فكرية لخطاط أراد أن يرسم الصورة الصحيحة للإسلام من خلال مخطوطة بالخط العربي ، وذلك عن طريق مواقف مر بها في حياته .

هذا الملف الحيوى يتلخص فى فكرتين أساسيتين :

الأولى : أن الإسلام العظيم لا يجد من أبنائه ممن هم على مستوى تقديم وعرض وتوصيل أعظم هدية للبشر فى أنحاء العالم ، كما قال الأمير تشارلز ” إن العالم الإسلامى يحوى واحدة من أعظم كنوز الحكمة المتراكمة والمعرفة الروحية الموجودة لدى البشرية ، وهى تشكل فى نفس الوقت تراث الإسلام البديل وهدية لا تقدر بثمن لباقى البشرية ” .

يضع تشارلز المسلمين جميعاً أمام مسئولياتهم الحضارية الكبرى كجسر تواصل إيجابى بين الإسلام والعالم ، يقول : ” فإننى أحب أن أضع أمامكم لو أمكن تحدياً آمل أن يصل إلى ما وراء الحضور اليوم .. وهذا التحدى يكمن فى تحفيز العلماء والشعراء والفنانين والمهندسين والحرفيين المسلمين لتحديد الأفكار العامة ، ومعها التعاليم والتقنيات الكامنة فى الإسلام ، والتى تشجعنا على العمل بالإنسجام مع الطبيعة ” ، ثم يقول تشارلز موجهاً خطابه للعالم الإسلامى بأسره : ” إننى أدعوكم كى تبينوا لنا كيف يمكننا الإستلهام من الفهم العميق للثقافة الإسلامية إزاء عالم الطبيعة ، لمساعدتنا على رفع التحديات الجسيمة التى نواجهها ” .

فهل وعت رموزنا الفنية والثقافية والدعوية والفكرية تلك الرسائل جيداً وهل قدرت حجم ومقدار المسئولية الملقاة على عاتقها تجاه العالم الذى يمد يديه طالباً التكامل والتعاون على طريق نهضة البشرية وإقرار السلام فى العالم ؟

الثانية : أن الظروف مهيأة للدعوة والكشف عن كنوز الإسلام وإيصال تعاليمه ومفاهيمه الصحيحة لأبعد مدى ولجميع قاطنى الأرض ، بسبب ما توفر من أدوات ووسائل الإتصال والإعلام والثقافة والمعرفة العصرية من إنترنت وسينما ومسرح وتلفزيون .. الخ ، ولأنه لم يعد محتماً قتال دول وسلطات – كما كان فى السابق – لكسر القيود التى تحول دون وصول الدعوة للبشر ولمنح الناس جميعاً حرية الإعتقاد والإختيار ؛ فالدعوة اليوم متاحة وسهلة ومأمونة بدون ردات فعل عنيفة ، بينما كان دعاة العهود الماضية يُواجهون بالقتل والإضطهاد ” لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجميعين ” .

رنا صوالحة مخرجة فيلم ” رحمة ” إشتغلت إيجابياً على هذين الملفين من خلال الإسهام فى توصيل رسالة صحيحة عن الإسلام وإظهار كنز من كنوزه القيمية من خلال زاوية بعينها ، حيث تعرض على الفرنسيين والأوربيين الصورة الصحيحة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم من خلال معايشة أحد الفنانين للناس العاديين ورؤيته لإنعكاس أخلاق الرسول وتعاليمه على حياتهم ، بما جعله ينجز لوحته المتكاملة ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” .

هناك زوايا ورؤى ومعارف وقيم وموضوعات شتى لم تعالج وتنتظر من يبدع فى إبرازها فى كافة القضايا الإنسانية والإجتماعية والقيمية والكونية ، بحيث يظل جهد رنا وغيرها – رغم أهميته – ضئيلاً جداً بالمقارنة بحجم ما هو مطلوب بذله .

وتتضاعف المسئولية وتتعقد المهمة لأن هناك جهلة وحمقى بأسماء وعناوين إسلامية يقومون بمهمة مضادة فى إتجاه مناهض ، حيث يضعون عراقيل بتشويه صورة الإسلام والإساءة لتعاليم رسوله ، ومع تقصير أصحاب الشأن يصبح الإسلام فى ضمير الغرب والأمم الأخرى مرادفاً للإرهاب والكراهية والدموية والهمجية والعنف .. ليس بجهود الإرهابيين فحسب إنما بتقصير أيضاً ممن تقع عليهم مسئولية التبليغ .. وليس التبليغ فحسب بل الإبداع فيه .

السؤال : كم من البشر يموتون يومياً ولديهم فكرة سلبية عن الإسلام ورسوله بسبب نشاط الحمقى وكسل أصحاب المسئولية من مفكرين ومبدعين ؟

كثيرون جداً .. بالملايين يومياً يغادرون الدنيا وهم يحملون أفكاراً سلبية ومفاهيم مغلوطة تجاه الإسلام والرسول ، ويجهلون الإسلام الحقيقى وتعاليمه ومفاهيمه وقيمه .

الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن مهمته الإنقاذية فى الدنيا برمزية مبدعة ؛ فالناس فراشات تتساقط فى النار وهو يحاول بكل ما أوتى من إمكانيات إنقاذهم .. وقد تنقذ رنا بفيلمها الجميل بعض الفراشات ، لكن المسئولية ضخمة والمهمة عظيمة بحيث تحتاج لجهود أمة بأكملها ، والأمة إنتاجها الإبداعى والفكرى الذى يخدم هذا المسار دون المستوى ومتواضع بشكل مؤسف ومحزن ، فى مقابل إنتاج إعلامى تكفيرى إرهابى على مستوى عال من التقنية والدعم .

لا عذر لمن يمتلك المقدرة سواء المادية أو الفكرية والإبداعية ويتخاذل ويقصر فى مشروع الأمة الأول .. مشروع “إنقاذ الفراشات”.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى