فنونمسرح وسينما

المسرح العربي ريادة وتأسيس

 

نحو فهم علمي عربي للمسرح
لا يختلف اثنان من مؤرخي الأدب المسرحي أنّ بلاد الإغريق كانت المرتع الأول لهذا الفن الذي تمتد جذوره الأولى في رقصات (الساتير) الطقوسية. تلك الجذور التي نمت وتطورت وتشكلت بالصورة التي وصلتنا مدونة بأيدي الرواد الأوائل ثسبس وسوفوكليس وأسخيلوس ويوربيدس وأعطت أكلها بهيئة تراجيديات مأساوية أو كوميديات انتقادية. ويحدد أولئك المؤرخون ميلاد المسرح بحدود أواخر القرن السادس قبل الميلاد وأوائل القرن الخامس قبل الميلاد.

لقد وفرت الطقوس الدينية والشعائر الطقوسية لبلاد الإغريق الأرضية الخصبة لنمو بذرة المسرح ونشأتها نشأة طبيعية، أما ولادته الطبيعية الثانية فقد كانت، كما يتفق على ذلك المؤرخون أيضاً، في أوربا المسيحية التي وفرت له ما جعله قادراً على إنجاب عمالقة المسرح الأوائل، وعلى رأسهم، شكسبير وكالديرون. ولم يشهد الوطن العربي ما شهدته بلاد الإغريق وأوربا المسيحية، فقد كانت ولادة المسرح عندنا ولادة عسيرة جداً في ظروف صعبة جداً وغير ناضجة موضوعياً لمباركة واستقبال هكذا وليد وفدت نطفته من الخارج لتنمو وتكبر داخل رحم الأدب العربي الذي عرف قبلها طغيان الملحمة وسطوة الشعر الوجداني (الغنائي)، ومع كل هذا قام الكثير من كتّابنا ونقّادنا وباحثينا بإرجاع أصل المسرح العربي إلى النشاطات (شبه المسرحية) في موروثنا الأدبي. وإنّ ما قام به باحثنا الكبير الدكتور جميل نصيف التكريتي، في كتابه الصادر مؤخراً عن دار الشؤون الثقافية في بغداد (المسرح العربي ريادة وتأسيس)، هو قطع الطريق أمام سيل الأفكار الذي يصب في مصب جعل المسرح ذي أصول عربية خالصة انطلاقاً من موقف انحيازي أو تعصب عرقي أو مغالاة ومباهاة في أننا الأوائل بكل شيء، يقول الأستاذ التكريتي:
“انقسم الباحثون العرب ،ومعهم عدد من المستشرقين، المعنيين بالحركة المسرحية في الوطن العربي تاريخاً وواقعاً وآفاقاً إلى فئتين: واحدة تقول بعدم معرفة العرب للمسرح الفني قبل منتصف القرن التاسع عشر وأخرى تخلط بين المفاهيم المسرحية ومصطلحاتها خلطاً عجيباً تضيع بسببه الحدود الفاصلة بين مرحلة وأخرى من مراحل النشاطات المسرحية: أعني النشاطات شبه المسرحية. لقد قاد هذا الخلط البعض إلى أن يبالغ ،كما سنرى، فيدّعي أنّ النشاط المسرحي عربي بالأصل أخذه منّا الغربيون بين أشياء كثيرة أخرى وطبعوه بطابعهم.”

ويقوم الأستاذ التكريتي بمناقشة آراء الفئة التي تصر على تأكيد وجود مسرح عربي قبل منتصف القرن التاسع عشر مؤكداً على أنّ هذه الفئة تعمم طابع (الفرجة والتسلية) على العروض المسرحية، وتتناسى متجاهلة أنّ وراء هذه الفرجة وتلك التسلية تكمن قيمة أخرى هي التي اهتم المسرح الدرامي الفني بها منذ أقدم عصوره متمثلة بتجسيد العلاقة درامياً بين الناس وموقفهم من العالم. ولم تتوقف هذه الفئة عند حدود تغليب الفرجة والتسلية، بل ذهبت إلى أكثر من هذا عندما ادعت “أنّ وجود الشعر الغنائي بذاته دليلاً على وجود المادة المسرحية” ناهيك عن زعمهم أنّ وجود الحوار البسيط في هذه القصيدة أو تلك دليل على وجود المسرح أيضاً. فالدكتور علي الراعي يقول على سبيل المثال لا الحصر: “يمكن القول – بكثير من الوثوق – بأنّ العرب،والشعوب الإسلامية عامة، قد عرفت أشكالاً مختلفة من المسرح ومن النشاط المسرحي لقرون طويلة قبل منتصف القرن التاسع عشر”. ولنا أن نتساءل عن حقيقة ذلك (النشاط المسرحي) وعن صلته بالمسرح، ونطرح سؤالنا أيضاً حول ما إذا استطاعت تلك النشاطات التي يذكرها الأستاذ الراعي أن تنمو وتتحول إلى المسرح بشكله الفني الدرامي. ومن تلك النشاطات (شبه المسرحية) أو (ما قبل المسرحية) كما يسميها الأستاذ التكريتي، خيال الظل ومقلدي أصوات الحيوانات ومقلدي سوءات بعض الأفراد والمعروفين ومحاورات المتصوفة مع أتباعهم والحكواتية…الخ. ويذهب الأستاذ محمد كمال الدين إلى أبعد من هذا إذ يقول: “إنّ التراث العربي كان أصل كل حضارة،وكل معرفة،ومن المؤسف أنّ الأوربيون أخذوا هذا التراث وشكلوه ببيئتهم فبدت صورته وكأنه غريب عنا..”، ويقول أيضاً: “الأدب العربي زاخر بالقصص التمثيلية التي تدور على لسان الطير والحيوان أو الشخصيات الإنسانية أسطورية وواقعية، تصلح لتحويلها إلى مسرح كامل لما تحويه من أحداث درامية وحوار سهل”، وفي هذا القول مبالغة كبيرة لعدم امتلاك كثير منها مقومات الانتقال أو التحول الى نصوص درامية. إنّ جميع هذه الأمثلة وأخرى غيرها تنحصر كما أسلفنا ضمن النشاطات (شبه المسرحية) أو الـ(ما قبل مسرحية) التي لم يتسنَّ لها التحول بشكل طبيعي أو بقفزة نوعية إلى المسرح الفني الدرامي، فهي إذن نشاطات منقطعة الصلة بالمسرح. ويختلف الباحثون فيما بينهم اختلافاً جوهرياً حول الأسباب المسؤولة عن عدم تطور هذه النشاطات إلى حركة مسرحية خاصة في الوطن العربي. إنّ كل تلك الاختلافات بين الباحثين وعدم التوصل إلى رأي قاطع صائب علمي دقيق يعود سببها،كما يذكر الأستاذ التكريتي إلى:
“افتقار الباحث العربي إلى الحسّ التاريخي عند مناقشة ظاهرة غياب الدراما من الحياة العربية القديمة، وما ترتب عليه من افتراض هذا الباحث جواز ظهور الحركة المسرحية الدرامية في أي مكان وفي أي زمان، دون التأكد من توفر شرطها التاريخي والاجتماعي الذي يستدعي ظهور هذه الحركة تلبية لهذا الشرط هو الذي أدى بهؤلاء الباحثين جميعاً إلى التخبط في البحث عن الأسباب والعلل التي ظنوها مسؤولة عن عدم معرفة العرب قديماً بالمسرح.”

ولما كانت آراء أغلب الباحثين تتفق على أنّ فن المسرح عندنا فن وافد إلينا وأن لا صلة بينه وبين موروثنا الأدبي وأنّ نموه وتطوره حدث جراء القفزة النوعية التي حدثت في مطلع القرن التاسع عشر إبان النهضة العربية الحديثة فإنّ من الجدير أن نتناول جهود أولئك الذين حملوا إلينا بذرة المسرح الفني الدرامي وغرزوها في رحم الأدب العربي ليكون الوليد،بعد عسر في الولادة قادراً على النمو والتطور وبلوغ النضج الفني وهذا ما تعمل من اجله المسرحية العربية اليوم، هذه المسرحية التي يتعين عليها أن تذلل العديد من المشاكل، وعلى رأسها مشكلة اللغة المسرحية.

مارون النقاش
وهو أول رجالات المسرح العربي الذي اقترن اسمه بأول نشاط مسرحي عربي.ولدَ في مدينة صيدا عام 1817 وتربى وتثقف في بيروت منذ عام 1825. يذكر لنا الأستاذ التكريتي عن هذا الرائد أنه كان موظفاً ناجحاً ومثقفاً مرموقاً بالنسبة لأبناء عصره،واستطاع بعد تركه لوظيفته أن يتحول إلى رجل أعمال ناجح وقد وسّع دائرة معارفه بالإطلاع على تجارب الثقافات الغربية والاحتكاك بالمواهب المتعددة وشكلت مشاهداته للمسرحيات الغربية أساساً لبناء مسرح عربي له خصوصيته الإقليمية وهذا ما حدث بعد عودته إلى بيروت إذ وطد عزمه على نقل فن المسرح “لما لمس فيه من القدرة على التوعية والتبشير بأسباب التقدم والترقي”. وفي هذا الجانب يذكر الأستاذ التكريتي ما يأتي:
“لقد أدرك مارون النقاش الواقع الاجتماعي والفكري الذي تقدم إليه بمسرحه وفنه،كما أدرك طبيعة التأخر الفكري والاجتماعي،التي توقع أن تكون أقوى وأعتى عقبة في طريق فنه الذي ضحى بكل شيء من أجل أن يؤمّن له مناخاً يتوفر فيه الحد الأدنى من الشروط اللازمة للنمو والحياة.”

وبالطريقة العلمية والبحث الموضوعي استطاع الأستاذ التكريتي أن يثبت،خلافاً لكثير من الباحثين أنّ أولى مسرحيات النقاش وهي (البخيل) لا علاقة لها بمسرحية مولير (البخيل) وأنّ خطأ الباحثين يكمن في أنهم نقلوا عن الآخرين أقوالهم دون الرجوع إلى نص المسرحية كما كتبه النقاش. وقد كبر خطأهم إذ اعتبروا مسرحية النقاش (البخيل) ترجمة لمسرحية مولير، فهذا إلياس أبو شبكة يشير” إلى أنّ مارون النقاش قد نقل مسرحية (البخيل) عن مولير ولم يذكر أنها له”. ولم يختلف عن أبي شبكة كل من محمود حامد في كتابه (الفن المسرحي في الأدب العربي الحديث)، ومحمد عزيزة في كتابه (الإسلام والمسرح). ولأجل أن لا نسهب في هذا الجانب نقول باختصار شديد: إنّ أغلب الدراسات الحديثة والبحوث العلمية تؤكد، بما يشبه الإجماع، على أنّ مسرحية مارون النقاش (البخيل) مسرحية مؤلفة لا مترجمة ولا مقتبسة من ألفها إلى يائها، ألّفها النقاش بعد اطلاعه وقراءاته للمسرحية الموليرية، ولا يعني شيئاً أن نجد التأثيرات الموليرية في كتابات النقاش لأن مولير بحق أستاذٌ كبيرٌ من أساتذة الكوميديا الحديثة الذين أثروا في عدد كبير من الكتّاب اللاحقين ومنهم مارون النقاش.

أحمد أبو خليل القبّاني
يقول الأستاذ جميل نصيف التكريتي في مطلع دراسته لتراث القباني أنه:
“يمتاز من زميليه الآخرين في الريادة المسرحية: مارون النقاش(في لبنان) كما مر بنا، ويعقوب صنوع أبو نظارة(في مصر) كما سنرى، يمتاز منهما في كونه الأكثر تفاعلاً مع الحركة المسرحية الوليدة والأغنى إحاطة بدائرة واسعة من الفنون الشقيقة للحركة المسرحية والمكملة لها مثل الموسيقى والغناء وفن الرقص ونظم الأغاني وتلحينها،وما إلى ذلك.”
تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب قبل أن ينتقل إلى المدرسة الابتدائية.امتهن القبانة ولُقب بها ثم باع قبّانه وداره ليبني له بما تجمع لديه من مال مسرحاً مخاطراً بسمعته في نظر ذلك المجتمع المتزمت.وقد اختلفت آراء الباحثين في مسرح القباني بين متحمس له وبين جاهل لتفاصيل سيرته الذاتية والإبداعية فقد كتب عنه كل من الدكتور محمد يوسف نجم والأستاذ محمد كرد علي والدكتور محمد مندور والسيد عدنان بن ذريل والمستشرق (الإسرائيلي) يعقوب م. لنداو.

إنّ للقبّاني دور ريادي واضح في الحركة المسرحية في سوريه على الرغم من كل ما قيل عنه وما أشيع عن تأثره بمسرحية تركية أو عروض لبنانية شاهدها في بيروت أو في دمشق أو ما قيل عن تأثره بالمسرح المدرسي التبشيري والكنسي.وفي الوقت الذي أثنى وأكد على ريادته كثير من الكتّاب والباحثين حتى يومنا هذا جرفت بعض الباحثين السوريين حماستهم لمواطنهم السوري أحمد أبي خليل القباني فساروا خلف مغزى المزايدة على بداية كتابته للمسرح وريادته له فانتهى المطاف بهم إلى عام 1865 دون شواهد أو براهين أو أدلة تاريخية تؤيد زعمهم هذا.

وفي معرض تقييم الباحثين لمسرح القباني يسوق لنا الأستاذ جميل نصيف التكريتي تقييم كل من الدكتور محمد يوسف نجم في كتابه (المسرحية في الأدب العربي الحديث) والدكتور محمد مندور في كتابه (المسرح النثري) وينقل لنا عن يوسف نجم ما يأتي:
“كانت حكايات ألف ليلة وليلة أحد المصادر الهامة التي اعتمد عليها القبّاني في كتابة مسرحياته فقد قرأنا له مسرحيتين كانتا في موضوعيهما نقلاً صادقاً لحكايتين من الليالي دون تحريف أو انحراف.”
وهو قول غير دقيق لأن القبّاني لم يأخذ هاتين الحكايتين دون (تحريف أو انحراف)كما يزعم الأستاذ نجم، فالنقل بهذه الطريقة الساذجة يعني جهل الناقل بحرفية الكتابة المسرحية وأصولها.

وينقل لنا عن الدكتور محمد مندور قوله:
“كان (يقصد القبّاني) يحسن نظم الأزجال والأشعار ويجيد ربط الحوادث في حبكة قصصية مُحكمة.وقد عمل على أن يقرب التأليف المسرحي من أدب اللغة الفصحى من جهة وأن يقربه من الشعب من جهة أخرى وذلك بأن يستمد موضوعاته من القصص الشعبية المنتشرة في طبقات الشعب وبخاصة قصص ألف ليلة وليلة..”

وهو قول فيه الكثير من الحماسة والعاطفية والكرم. لقد كان الدكتور مندور معروفاً بإسباغ أجمل الصفات على الكتّاب خاصة المجددين منهم. صحيح أنّ قوله هذا يختلف عن قول الدكتور نجم من حيث التناول التاريخي للظاهرة أي أخذه بنظر الاعتبار الظروف التاريخية التي أحاطت بالظاهرة التي يتناولها بالدرس بينما يسقط الدكتور محمد يوسف نجم من حسابه مثل هذه الحقيقة.

ويبقى لمؤلف (المسرح العربي ريادة وتأسيس) تقييمه الخاص الذي يقول فيه:
“لقد كان القباني رائداً كبيراً من رواد مسرحنا،وإليه يعود الفضل في كل ما حقق بنفسه من إنجازات في هذا الميدان،وعلى الظروف التاريخية التي كان يجتازها مجتمعه الذي نشأ في أحضانه ونشط فيه تقع مسؤولية ما لم يستطع تحقيقه.إنّ روح التحدي التي اتصف بها وعدم رضوخه لصنوف الضغط اللئيم لتغفر له كل العيوب التي بإمكان الباحث أن يشخصها مهما بالغ فيها.”

يعقوب صنّوع
يمتاز يعقوب صنوع من الرائدين العربيين النقاش والقباني في أنّ له فضل إيجاد الصيغ التطبيقية لأصول فن كتابة الدراما باللغة العربية لأول مرة. وله فضل ابتكار الصيغة العربية لكل الخصائص والسمات الدرامية. بمعنى آخر أنّ يعقوب صنوع الذي أكمل ثالوث الريادة المسرحية في الوطن العربي(وسنجد أن هذا الثالوث صار رابوعا بالعثور على مخطوطة مسرحات الشماس العراقي حنا حبش) استعار معظم أدوات الفن الدرامي الكلاسيكي ووظفها على خير وجه. لقد درس الأستاذ جميل نصيف التكريتي الخصائص الفنية لمسرح هذا الرائد المجيد الذي عمل بدأب على توظيف المسرح من أجل إصلاح الحياة الاجتماعية والنهوض بسبل تطويرها وارتقائها وإغنائها فكرياً وجمالياً متوصلاً إلى خلاصة مهمة يمكن حصرها في النقاط الآتية:
1- إنّ مسرح صنوع ذو نزعة اجتماعية أولت موضوعة الزواج اهتماماً كبيراً.
2- طرح يعقوب صنوع رؤاه وجسدها من خلال الصراع بين القديم والجديد،فبشر بالجديد وسفّه القديم مؤكداً على ضرورة فرز الجيد والرديء من كليهما ومحذراً من القديم الذي ولّى زمانه والجديد الذي لا يخلو من السفاسف والقشور.
3- وظف المسرح من أجل تنوير الحياة وإغنائها.

لقد بنى الأستاذ نصيف التكريتي دراسته لتلك الخصائص على المفاصل الآتية:
أولاً- هيكلة المسرحية: إذ جعلها تنقسم على فصول،كل فصل منها يتألف من عدد من المشاهد.
ثانياً- البرولوج: وهو تقليد كلاسيكي بوساطته استطاع صنوع من ضغط حجم المسرحية دون أن يخل بقدرتها التوصيلية وساعد على كشف هوية الشخصية،وهذه حيلة مشروعة من الناحية الفنية.
ثالثاً- الصراع: وقد بناه صنوع على أساس وحدة الأضداد والفوارق والمتناقضات بين الماضي البائد و الحاضر القائم،فهو يقف إلى جانب الجديد المتطور الذي تفرضه حركة التاريخ وقوانين تطور المجتمع وضد القديم الذي ولّى زمانه. وعلى الرغم من هذا نجده يقف مع القديم الذي ما يزال يحتفظ بأهميته وأصالته وضد الجديد الزائف الذي لا يمثل إلاّ قشور الحضارة الوافدة وسفاسفها.
رابعاً- اللغة: وقد استطاع أن يوظفها توظيفاً درامياً قلّما بزه بها واحد من كتّاب المسرح العربي على حد زعم الأستاذ التكريتي الذي يقول عن استخدام صنوع للمفارقة اللغوية:
“لم تخلُ مسرحية واحدة،من مسرحيات يعقوب صنوع،من مشهد في الأقل يسلي فيه جمهور مسرحه بواسطة المفارقة اللغوية المضحكة لهذا السبب أو ذاك.”
خامساً- الشخوص: لصنّوع قدرة كبيرة جداً على التشخيص فشخوصه بمجملها تشكل صورة للتشكيلة الاجتماعية بكل تناقضاتها وتعارض نظراتها إلى الحياة وتناقض دوافعها في السلوك وتصادم مواقفها تجاه العالم واختلاف قيمها الأخلاقية وأذواقها فضلاً عن أنّ صنّوعاً أفلح في الكشف عن خصوصية ارتباط كل من هذه الشخصيات بالحياة وبعصرها بالذات.

وبعد أن استكمل البحث مفاصل المسرح العربي وتناول رواده ومؤسسيه، وفنّد آراء الكتّاب والباحثين الذين أدلوا بدلوهم في موضوعة الريادة وأصول المسرح العربي، وبعد أن يصل بنا الأستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي إلى قناعة تامة أنّ المسرح فن وافد وبذرة حية جاء بها النقاش من الخارج وأنبتها في أرض عربية لم تكن مهيأة تماماً لاستنباتها إلاّ أنها مع ذلك نمت وتطورت وأخذت هيأتها النهائية المعروفة للجميع بعد هذا كله نقول متسائلين: لماذا ألحَّ الدارسون والباحثون على إرجاع المسرحية تحديداً إلى النشاطات (شبه المسرحية) ومنها حكايات الليالي والحكايات التي تروى على لسان الحيوانات أو البشر وما شابهها؟ لماذا هذا الإصرار على المسرحية دون غيرها من الأجناس الأدبية؟ ولماذا لم يرجعوا الرواية على سبيل المثال إلى أصول عربية من باب الحماس لإرجاع كل شيء إلى الأصول العربية؟ أليست الرواية أو القصة أكثر قرباً من الحكايات وما يروى على لسان الحيوانات أو البشر؟

أسئلة نطرحها على جمهرة الباحثين المتحمسين المتعصبين للأدب العربي والمتبجحين به دون حق والمسيئين إليه دون دراية أو بجهل خطير.

وإذا كان لابد من كلمة أخيرة نقولها عن (المسرح العربي ريادة وتأسيس) فلا يسعنا إلاّ أن نقول: إنه بحث موضوعي عميق يقدم لنا فهماً علمياً عربياً للمسرح ويسلط الأضواء على الزوايا غير المضاءة في تاريخ الرواد الأوائل ودورهم الريادي الكبير في تأسيس خشبة مسرح ذات خصائص عربية واضحة. إنه مرجع مهم جداً من الناحية التاريخية وكتاب جدير بالقراءة من الناحية الأدبية.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى