أدبنثر

هل تأخرتِ قليلا؟!

هل كنت أحتاج إلى أن يقف الزمن عشرين حولا حتى تُقِلّك عربتي التي كسوتها لك يومها بكل حشائشي الخضراء؟! لم تكن هذه العربة القرنفلية مُعدّةً للسير، بقدر ما كانت مهيأةً للوقوف. الوقوف على حواف الأمنيات، وأطراف الجمل الفعلية وهي تكتبني قصة بلون العبور عبر أشرعة بيضاء تمخر في عباب بحر لجي، يزمجر بأنواء الصبا والهوى والنوى والخيال.

كلما أرخيت الطرف وأبحرت خلف أمنية كانت تنساب كغيمة بالسماء قد صيغت على قد وجهك المشرق النبيل. على أطباق حبات مطر بكر دفوق، تهمي رذاذا ثلجيا فوق صفحة جبينك الأغر. على تلافيف من حرير أخضر ينساب خلفك طهرا، وقد تضمخت أطواؤه ببللك المدوف، وقوافل العطر المتهادي على وقع أنفاسك العبير. على سياجِ رصيفٍ مُمَرَّدٍ من ظلك، أسابقك فيه الهوى هِقلاً يجاري هقلةً؛ وهو يزجي لآلئه في صمت مرير كغدير من لجين سرعان ما تنسكب قطراته ببئر الوحدة والوجوم، لتمتد له أشطانك وتعيد رصفه درا على ناصيتي تمنيني بروقه بغفوة على صباحات توضأت ضفافها بعبق اللقاء.

أمد يدي- من جديد- قيثارا من نقاء يبعثر همس أوتاره مسك العهد أغنية ثملى بحلم كم عطرتُ أكمام وروده بنبض تفتق من هنا لينساب هناك قافلة ما عرفتْ وكناتها. وعلى شط من نخيل مطرز بابتسامتك، قد اصطف يلَوّح لك بأطرافه الخضراء، وفي نهايته أقف منتظرا على أطرافيَ الواهنة وأظل أنظر إليك من ثقب ذاتي.

الآن أنظرك أراك قامة أعلى قليلا من حقي المسموح به في رفع رأسي. أراك قلما يقطر شهدا حين يجود بترياقه على السطر الأبيض المنتظر، يسمع الناس صرير حرفه حين يستك بالروح طازجا متوهجا، ويأفل دونه سمعي وبصري.
أطل عليك من عيون الوفاء فألقاك شمسا تصارع هول الأفول لتهديني نورها عمرا آخر ينسكب على واحات عمري الذابلة فيخضرها من جديد. أقرأك عنوانا كبيرا لا تسعه المساحة الممنوحة لي من حجم اللافتة. أراك وردة نضيدة قد رُكِّبَت وريقاتُها بطريقة تعجز عن إدراكها كل عيني. أسمعك صدى أغنية فريدة تأسرني ولا تفلح في عزف لحنها كل أوتاري، لأبقى أرددها في خلوتي شهقة روح ونبضة قلب وسدته غمائم البين نجما سيبقى يبوح ببعض سره مع تسابيح المغيب؛ لتمدي له بعض نبضك فتيلا وأنت وحدك من تسمعين أناته قبل أن تذرفها جفون المدى قافية موغلة في الرحيل، لتعيدي مراكبها ربيعا سخية عبراته وهي تهمي من حر جفوننا مزنة واحدة.

أشمُّك طيفا غير مأهول يغمرني حين ينشطر الليل إلى اثنتين: إحداهما أنتِ، والأخرى أمنية وردية تسيل على وجه حلم غافٍ يؤرقه ليلي الطويل. أراك نورا دافقا لم تفلح ستائري المنسدلة في حجبه فاحتوته نجوى بين طياتها، تمزجه بألوانها الخجلى العتيقة وتودع في ذراته بعضاً من رفيف رقتها المتوارية لينساب نحوي هادرا طلقا لا يلوى وقد غزاني حين لم تقو حصوني المهشمة على رده فأذعنت له روحي مهزومة على شفا الانتصار.
وبقيت وحدي أناغيك حلما يتهادى فوق دروب الانتظار.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى