ما عدت أحمل الشمس بين أناملي، والفجر يتثاءب من عيون السحر. ترقص الأضواء في الضباب، وتشرق تراتيل الخريف من أسى النفوس دخانًا؛ فما ارتفع الصوت الجديد وما انتصر القنديل فوق جدران المدينة، وروحي تمتد أناملها ندًى وهي ترتشف من شفة الغيوم صلاةً دون فاصلةٍ في أمل المسافات بين أزقة الأحلام.
ما زالت أقدام الماضي تلاحقني؛ تتسارع بإيقاعاتها عرش التاريخ مع دقات الرقص في وجه الشرق. تتجاوز دمي وتعلن الوقوف على مسرح جسدي المدمن جوعًا وهو يأكل حنيني وينثر الزحف فوق جراحي. أوتار البحر المالحة ما زالت تغويني في وهم اللقاء الأسطوري قبل اغتسالي من ريق القلم، وإني من أدمنت الأحزان وقد تمرّد معها الصبر.
هل علينا أن نبقى على الرمال نحفر قصصنا ونؤرخ قلوبنا حباً كي تذروها الرياح؟! أو نكتفي بالنهايات التي يقرأها فنجان الحظ من كأس الوطن؟! يكفي من الحروف المهشمة لسع بقايا الظل، وسكب محبرة الخيال رصاصة في وجه الطير بمجسّات من تأويل الذاكرة. لا حاسة تنطق ولا لسان يتحرر من طعم السكين بقصيدة عصماء. قد أصبح الانتظار محافل الفقراء في أرض الرماد، والحب في جبّ العرافات يرتّل صليل الغد، فكيف سيراودني الشعر؟! وكيف ينمو الحرف؟!
ويشرق قلبي حين يراكِ من جديد، وكأنه يغفو على نخلة باسقة تعرفني، يُطل من أعلاها كي يعلن للصبح الشروق، ولليل المغيب. يكتب على فانوس الروح أن تجمّلي بالضياء المنقوع في الشوق، ينتظرك ولا يهاب صفير الريح، ويمتشق منه الزمن المغبرّ كي يحتفل بالحنين، وكي يزفّ الفردوس في قلوب الزاهدين. نفتح معابد الحروف المهجورة كي نلقي القصيدة في أفواه الشعراء، لتثمل على أكتاف الشمس في النهار.
تمسح كفّيها بأجنحة الصوت الثائر، من الأوزار العالقة في حنجرة العتمة. وأنا ما عدت مساحة خرساء نسيتْ ظل الشدو وصورة الغناء. بل أصبحت أهز من وَجَنات النخيل آيةً من حب الإله رطباً جنياً على شفة السماء، لتستقبل رائحة الجنة من كلام الزاهدين والشهداء.
ضاقت بي الحروف وهي تقبع في خلوة الغروب، وهي تبحث في بستان الحبر عن معنى الحرفين. غياب الصوت علّمها الأحلام كيف تمارس العقوق، ودرّبها على سبل المناجاة. فهل يا أنت يلزمك الناي كي تغني البكاء على أوتار الرحيل؟ أم أنك الماء الذي يمحو كل الخطوات للحنين؟
سأقطع كل الدروب المؤدية للغياب وأعلن التمرد على الجفاء كي يبقى فتيل الروح يضيء شمعة اللقاء. لا وقت للوجع ولا طقوس للذكريات. هي أقدام الريح حين تبعثر الخطى وترهق القلق في أفق الانتظار. هي أنامل القدر حين تمسك من بقايا جثتي رمادًا، تنثره في وجه الصبر، وتسابق غفلة الزمن.
يا وجعي، يا كل أحلامي!
تبكيني كسرة الأمل وهي تنزع منها أشواك الهمّ، وتجبلني نزيفًا يطفح كأس عمري، فاقرأيني تعويذة شوق ليلة العيد، وفسريني معادلة رابحة تستحوذ على أسرار وحيك؛ لأبقى ذكرى خالدة تشعل من رمادي شموع بسمتك. امسحي عني ظنون جفائك، وامكثي في الطين نورًا يحيي معراجي نحو روحك.
يا لمعراج حرفك المحلق مع الكواكب، يبتسم الغيم لزهر أناملك المخضبه بندى الحنين وهي تزدلف إلى شقشقة شمس تحمل الدفء والوصل الجميل .. ما اروعك وما أبهى حرفك ..
محبتي العميقة يا ابنة الوطن