أدبنثر

حب فلسطيني

حبكَ خنجرٌ في الصدرِ يؤلمني، أطوّقهُ بحريرِ ودي خشيةً من الفصول عليه والصّدأ، مغسول بالريحان والزعتر أُغمده في حرفي وخلف الاوجاع. ينكأ الجرح فتبزغ الشمس بعين الحلم؛ حلمٍ بغدٍ جعله الحاضر وجود حياة في روحي الظمأى للوجود. وأغفل في حضرة الموعد؛ أغفل أنّنا جلسنا على صخرةِ اللقاء اثنين. كان كلامك غناءٌ وكنتُ أحاولُ النشيد، لكني منهكة من كثرة الأحلام التي رسمت على ملامحي إشفاقا كشوق السنابل للماء في السنين العجاف.

غناؤك كالطيور المهاجرة طارت من مدينتي فهاجرت شرفاتنا خلفكَ والشبابيكِ إلى حيث الحلم بما شاء كان؛ بالصدح، بالوقوف كالطود، كالصقر. وما لم يشأ كان؛ بالانكسار، بالحزن العتيق، وبذاك الطعن المرير الذي هاج على كتفي العاري، فصار الحزن شظايا في الصوت، وصار حنينا يشق المدى بمراثي الوطن في صوت الأطفال، وفي لحن شد أوتار عود مارسيل، وفي الأعياد التي ضحى بها العرب ونسوا أنها اندمجت مع نكبتنا. وما فتئ الجيتار يعزف للحجارة، للمجرات البعيدة، وما زلنا نشد الأوتار حتى بُحَّتِ الحناجر. أم هل يا ترى صمتي هو من دوزن السكوت؟!

رأيتكَ يا حبيبي تغترب وحيدا، فحثتني الروح إليكَ أركض سعيا لظل صدرك. وما فتئت أبتغي الحكمة من اسلافي؛ لماذا يسلخون الشجر إلى المنافي والسجون، وإلى أبعد ما وراء الحدود؟ لماذا تبقى خضراء برغم الجفاف وبرغم مشقة السفر والجوع الذي في السجن وفي القفر؟ إني زرعت الثمار فلم حصدت البخس؟ آه كم أكره الحدود الذي تقطعنا بتصاريح كي يمر عليه الزهر. هناك على الحدود وقفت، وكل عيون الدنيا نضاخات، وأنا الجميلة وخلفي القفار.

رأيتك في حقل الألغام ترعى الغزلان المطاردة، وفي الركام ومن بين الرصاص كنت رياحا تعصف في المدينة. كنت بستاني الجميل، وأنا الغريبة أطرق الباب – يا نبض روحي – فيجيبني التراب. رأيتك يا حبيبي في الجداول والحقول مهشما، رأيتك في الأزقة والمقاهي والمحافل مخذولا، رأيتك في الدمع رقراقا وفي الجرح بدم الشمس مسفوحا. وأنت القلب في صدري، وأنت أنت الحب على شفتي، وأنت الملكوت والماء واليحموم.

رأيتك في الأغاني الحزينة وهي تقيم حفل الوداع لمن صعدوا إلى ما بعد الغيم، رأيتك عند باب الكهف، عند نحيب اليتامى، في وجوه البؤساء، في الشوارع، في دم الصباح. كنت بهيا كالحقل العسجدي كالياسمين والأقحوان. انقش قلبي على جذع السنديان وارسم فيه اسمك، يذب قلبي بتراتيل تمتد بعرائش الأيك. سأدوّنك يا أغلى من الروح في لغتي بساط ريح وشمعة أمل. وسأمد من صدري سياجا يحجب عنك نبال الريح العاتية أمام اقمارنا المندهشة في ليالي الصيف والشتاء. وسألتفت إلى المدى، إلى البحر، إلى ما وراء الجدار لأرسم طيفك الساري وأناملي ترتعش بسيل دافق من نور.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى