أدبنثر

أيقدُّ الحلمَ صدى صوتي؟!

أيا حنجرة الليل، كيف تعبثين بأوتار صوتي المبحوح في منفاي؟! ها شِعري يتلظى على لهيبِ أناي، وحلمي العتيق ما زال يقدّ قميص صوتي برغباته الشقية، ويشتدّ شغفه شوقاً على قارعة الفجر، كأسطورة عند معابر الأماني؟! يصلّي كلّ يومٍ في محراب السّؤال، وهو يفتّق أزرار الأجوبة بسؤال الماضي؛ أين أنام وكلّ بلادي تدوسها الكلاب، وتحلّق فوقها الغربان، وأديمها قد اكتحل بالدماء؟!

وفي غمرة انهمار ديجور الألم أقلب عيون الأمل وأنا أهدهدهُ بين حنايا الضوء، مسيرة عام من ألف ليلةَ سباتٍ مضتْ، وهو يستجدي إعصار الذكريات من سفوح الذّبول، كي يشقّ عنفوان النّور بثرثرة الفرح، في حيرة الليالي الذّابلة على أكتاف القمر، كي تنمو أجنحته مع شروق الشمس، مع أوّل طواف قدوم للصّباح وآخر وداع للدّجى.

أيا حنجرة الليل، ألا تذكرين يوم أنْ هرّبْتِ زئير الرّياح وعواء الذّئاب من بين أوتارك المترنّحة على شفاه تشرين، وأنت تتراقصين على رخام الهلال ليلة العيد؟! أتذكرين يومها حين كنتِ رِدْءًا للظّلام وأنت تنسجين خيوط العنكبوت بأنامل المساء، وعينيّ تنظر البؤس من نوافذ غربتي، وظلّكِ يلاحقني كالطّريد من منفاه؟!

لم أكن أدري بأنّ صدري تدثّرهُ أمنيةٌ مترعةٌ بالاختناق، تُراقِص الدّجى في حقول البرد، وتصطفيني جسور خوفٍ تقطع مسافات الدّفء وسط ضجيج جوارحي، بنبرة دمعٍ نبشتْ بها جفوني. وأنا ما زلتُ أبتلع شموع أزمنتي من صقيع، حتى فاضت وطفح كيل قصاصات الدّموع وهي تبدّد ملامحي في عقوقٍ من ركام النّسيان، بمقصٍّ ضبابيّ العتمة، أعْور المسير. وقد شربتْ ملح البحر من أمواجه الهائجة وغضبه المجنون.

وأنا كأنني نسمة هاربة من ترف الفراغ على أجنحة الليل العبوس، أتكوّر صرخةَ ضوءٍ من عورة الغروب، والفجرُ يُنصبُ الفخاخَ على أفواهِ أوردتي، كي يربطني في خيوط النّدى، على فوّهةِ غيمةٍ بيضاء تساقطني بخشوعٍ مطراً يتيم اللهفة، في محراب صباحٍ ملائكيّ التّراتيل، في أحضانه بقيّة أحلامي المحدّبةِ والغافيةِ في مملكة حرّيتي الصامتةِ بين الحدود. لعلّها تسّاقط صدى يقظةٍ على شفاه صوتي، تُترجم طلاسم العقوق التي تنخر الأرض وتفكّك شيفرة الكلمات العالقة في حناجر الشّعراء.

أيا وشم ظلّي المتعرّج، المنقوع تحت هجير الجليل إلى الخليل، إلى متى ستبقى تحته تحتبس أنفاسك في قنديلٍ، فتيله في نزاعه الأخير، يحترق أنينًا كي يضيء للفراشات بعض دفء من زفيره المتهالك؟! ألا تدري كم من وشاية، صبّ السّراب على يباب الجواب ظنّا ونقصانًا. بل وفوق ذلك كلّه كان يدنيني من الثريّا مبشّراً بتفاصيل شوقه، وسنابل عشقه، وبأنّ الورد قد استرق العبق من جوابك وأثنى.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى