أدبقصة

وداع

 

انْكَمَشتْْْ عَّلَى حَافّةِ السَّرِيرِ مِثْلَ قِطَّةٍ مَذْعُورَةٍ بَيْنَما تَنْهَالُ عَّلَيْها سِيَاطُ ذلِك الصَّوْتِ الغَاضِبِ خَارِجَ بابِ حُجرَتِها تَؤُزّ رُوحَها …
– أنتَ تُحِبُّهَا وَتَكْتَفِي بِها.
– أنتِ مَجْنُونَة.
– بَلَى ، تُحِبُّهَا هِيَ، وما تَزَوَّجْتَ بي إلا لِتُصْبِحَ أَبًا، وَلكِنْ لا …
أنَا لا أُرِيدُهَا جُزْءًا مِنْ حَيَاتِي، وَلَنْ أَتْرُكَ لَكُمَا أَوْلادِي، سَأَتْرُكُ المَنْزِلَ لَكَ وَلَهَا فَأهْنَأ بِهَا.

أَضْنَاهَا العَجْزُ وَالإِحْسَاسُ بِالهَوَانِ، وَازْدَادَتِ انْكِمَاشًا فِي زَاوِيَةِ السَّرِيرِ بِهَامَةٍ حَنَاهَا القَهْرُ وَقَامَةٍ هَدَّهَا الدَّهْرُ، وَبِصُعُوبَةٍ اجْتَهَدَتْ فِي مُغَالَبَتِهَا، رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا تَسْتَقْبِلُهُ يَدْخُلُ الحُجْرَةَ عَلَيْها مَهْمُومًا مُحْبَطًا يُحَمِّلُ مَلامِحَ وَجْهِهِ مِنْ الحُزْنِ مَا أَكَدَّ قَلْبَهَا وَدَكَّ عَزِيمَةً كَانَتْ تُحَاوِلُ اسْتِجْمَاعَهَا لِتَتَمَاسَكَ.
أَفْلَتَتْ دُمُوعُهَا غَزِيرَةً حَارِقَةًًً ، وَهُوَ يَشْتَكِي لَهَا مِمَا سَمِعَتْ وَعَرَفَتْ، وَعَيْنَاهَا تَحْتَضِنَانِ غصَّتَهُ وَحُرْقَتَهُ، بَيْنَمَا تُؤَكِّدُ لَهُ رَغْبَتَهَا وَاسْتِعْدَادَهَا لِمُسَاعَدَتِهِ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ لَوْ تَسْتَطِيعُ.

وَبِعِيٍّ مَمَجُوجٍ قَال: ” تَسْتَطِيعِينَ؛ هِيَ تَغَارُ مِنْ إِحْسَاسِهَا بِحُبِّي لَكِ، تَتَصَوَّرُ أَنِي أُحِبُّكِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَتُرِيدُنِي لَهَا وَحْدَهَا..
أَعْطِهَا ذَلِكَ الإِحْسَاسَ أرْجُوكِ، أَقْنِعِيهَا بِأَنَّهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكِ، أُطْلُبِي مِنْهَا مَثَلا أَنْ تَتَوَسَّطَ لَكِ عِنْدِي فِي بَعْضِ حَاجَاتِكِ”.
أَطْرَقَتْ تُغَالِبُ دُمُوعَهَا وَهِيَ تُفَكِّرُ بِحَسْرَةٍ ….
– أَنَا؟ أُقْنِعُهَا أَنِّي أَحْتَاجُهَا جِسْرًا بَيْنَنَا؟ لا يَا مُهْجَتِي … لَسْتَ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ، وَلا أَنَا، وَرَحْمَةُ رَبِّي أَوْسَعُ مِنْ أَنْ أَهُونَََ.
وَبِضَعْفٍ حَرِصَتْ عَلَى أَنْ يَبْدُو هُدُوءًا، أَسْنَدَتْ ظَهْرَهَا إِلَى حَافَّةِ السَّرِيرِ تَحْمِدُ الله عَلَى أَنْ مَنَحَهَا هذا المُتَّكَأَ تَتَقَوَّى بِهِ عَلَى ضَعْفِ ظَهْرِهَا، فِي لَحْظَةٍ أَرَادَتْ فِيهَا أَنْ تَبْدُوَ أَقْوَى مَا تَسْتطِيعُ، وَهِيَ تَقُولُ:
– بَلْ أَنَا مَنْ سَيَتْرُكُ لَكُمَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
لَيْتَني مَا أَسْكَنْتُكَ يَوْمًا أَحْلامِي، وَلا نَسَجْتُ فِيكَ أَوْهَامِي،
لَيْتَكَ مَا سَكَنْتَ يَوْمًا جَسَدِي يَا فِلَذَةَ كَبِدِي .. يا وَلَدِي…

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى