أدبقصة

باب الفرج

آلاف من البشر من كل نوع وعمر وجنس ولون، يتزاحمون ويتدافعون فيوشك أن يدوس القوي منهم الضعيف، وتكنس سيقان ذوي القامة الطويلة منهم قصارها. يكاد يقتل بعضهم بعضا، ويطأ المتعجلون رقاب مزاحميهم على أسوار القلعة العجيبة المحصنة. أسوار شاهقة من حجر أصم لا منفذ فيه ولا ظل لمنفذ. نتوء جبلي عظيم الشموخ لا يوحي بحياة كهضبة مصمتة.

متجنبا الزحام الكثيف، متواريا عن الأنظار غير الآبهة به، يرقب الجموع المتدافعة باسما في تأمل. الجميع لا هدف لهم سوى الوصول أولا إلى باب الفرج ومن ثم الولوج إلى قلعة الفرج الحصينة، للحصول على جائزة السلطان المليونية لأول متسابق يعبر الباب العجيب. الحجر الأصم يعكس من هذه الجهة صورة باب. وهو يرقب هجوم الآلاف على هذا الباب دون أن يبدو انه موشك على الانفتاح. جزء هو من الحجر الأشم لا ريب في ذلك.

جربوا آلاف الطرق والحيل. استخدموا المطارق الضخمة، الآلات الحادة، التمتمة بكل العبارات الممكنة أن تكون كلمات سر الحواديت القديمة، حتى أكُفّ الضراعة والدعاء لم يهملها السواد الأعظم؛ لعل باب الفرج ينفتح لهم كما انفتح باب المغارة لعلي بابا.

من أقصى الأرجاء أقبل الولي الصالح، بلحيته الكثة وثيابه المهترئة يتبرك به المتبركون. باب الفرج ظل أبيا عصيا على الاستجابة لكافة المحاولات المضنية. واستيأس فصيل من الحشد ظانّا بعبثية مسابقة السلطان. وتذكر آخرون جنوحه إلى السخرية والتفكه.

هكذا برقت الفكرة في رأسه كنوع من الإلهام الخفي. دار حول أسوار القلعة يرصد بعيني صقر وعقل واع، وقلب مستبشر. آلاف الأقدام قطعها غير آبه بالألم الذي أصاب قدميه، مؤمنا أن الباب الذي طرق عليه آلاف البشر مئات الآلاف من المرات لا يمكن أن يكون هو باب الفرج. لا يعدو أن يكون هو حيلة السلطان. طال بحثه عن باب آخر مختف في زاوية ما.

أخيرا لمحها، فُرجة لا يمكن لغيره أن يلمحها. لمسة بسيطة أعقبت رفع كفين ضارعتين إلى السماء، وانفتح باب الفرج. انهمرت آلاف الدنانير الذهبية على رأس الفتى الذي ظل بعيدا عن المشهد طيلة يوم المسابقة.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى