شجرٌ، وغيمٌ يابسٌ وعوسجٌ على الرصيف. عبثية الظل تجترح اللاشكل على رقيم تقاطع الطريق، مدون بالضباب ومؤطر بالضد. هناك ما بيني وبيني مسافة يفصلها المنع، وبلاد يقضمها الإسمنت الطائر وزفرات الوقت الصارخ في انتفاضات تشظت على جدار الخذلان، وبلاد امتطاها الظلام وأسند ظهره لشرق وغرب.
زيتونتان تعانقتا على سور بيت عتيق. وما بين محطة ومحطة رجل مسن يحمل في ذاكرته بيارات البرتقال ومغامرات قطافه؛ مثل نور امتشق سهامه في طول الليل. هناك أيضا طائران يطرزان حقلا ونهرا يتهادى باللوتس وأوزة فردت وجه جناحها وافترشته سريرا للأحلام. ولا ينفك يمتعض عقيق الكواكب المخادع من صلادته.
وقفت على طرر العمر ليس لأعبر الطريق ولا لتنبثق اشجاني في عزف المساحات والمنفى، بل لأبصر كيف انخدعنا بالوقواق وتناثر المكان كندف الثلج على اعشاش الشتات، ومتى نما صوتي وأين وُجدت فكان ميلادي، وكيف نزحت الغيوم إلى شتى البقاع. ثمة بريق قد انفلت من يباب السعي خلف الامنيات، فهل تنهض بأحلامها الجزيلة لتجز أعناق الواقع من سهاده؟ هل بقيت أيائل الحلم نضيرة؟
كان حفيف الأشجار الوارفة يخفي اصوات البلابل عن مسار الرصاص، كانت حقول السمسم تفرض صداقتها على الطيور الجارحة. كنا أغنياء حين صدقنا فقهاء البيدر بأن من يحمل شهادة تعبه بيديه يجد دربا ممردا باللؤلؤ والزمرد. كنا نمارس الطيبة على أيك النقاء، كانت قلوبنا مطرزة بحرير التراث والسنابل التي أصبحت ببصائر اليوم سجنا للغد المهاجر.
وها أنا أعيش مقفراً. كنت منهوبا أقبع في زنزانة الحيرة وأسائل الوقت هل كانت تلك البيارات لي وذاك المرج الثري لي؟ هل كان المدى اللازوردي المغتسل برطيب الندى المسائي لي؟ ما زلت اشم أثري على الحجر فأبصره كنجوم نشيدي المنتصب على المسرح.