وأنت تحظى، بعد انتظار، بغيث الحياة تذكّر من بقوا جالسين على قارعة الاستغاثة رافعين أكفّ الابتهال ومستجدين سحاب الفرج.. اقترب منهم، وبلّل حناجرهم المتشقّقة كي تندى وتنبت سنابل أملها من جديد.
وأنت تسبح في ماء رغد العيش انتبه أن هناك من يفترشون رمل الشّواطئ ولا يملكون الشّباك لصيد الأسماك التي تتراقص أمامهم، فيمضغون حسك الخيبة ويمدّون أياديهم لزبد الموجة!
وأنت ترفل بفضفاض حرير السّعادة لا تشح بوجهك عن التّعساء، ولا تحتقرنّ أسمال بؤسهم لئلّا يكبّل رجلي سعادتك عسسُ مشاعرهم إذا ما زدت دروب حياتهم عتمةً، وأطفأت شموع أكواخهم المضاءة بزيت كرامتهم عنوةً!
وأنت تتفيّأ بظلّ نخيل قصرك، تيقّظ لمن تلظّى بشمس الهاجرة، وتمدّد تحت سَيَال الصّحراء القاحلة، فلسعته رمالها الحارّة!
وأنت على مائدتك الموسرة خيراتها، افطن بمن طوى الفقر لحم أحشائه ولوى الشحّ عود أحلامه، فبات على الطّوى، وأرّقه أنين الجوى!
وأنت تحلّق في منطاد تحقيق الحلُم، ادعُ لمرافقتك من طال التصاقه بأديم المحن ناطرا قطار النّجدة يقلّه إلى محطّة تفكّ الكربة، وتحسن الوُجهة لينفض عن حياته غبار ما علق به من أسًى.
وأنت تدوس بخيلاء على تراب الوطن، وتعتلي القمم، وتغوص في البحر، فكّر فيمن حرم رائحته، وهجر تربته، ومُنع من رؤيته، وطاف في بلاد الأغراب يبحث عن حضن يحتويه، ومأوى يأويه، فلم يحظ إلّا بنار الامتهان تشويه!
وأنت تلتقف كرَم السّماء مَنًّا، وتلتقط جودَ الأرض سَلوى، اشكر مَن أكرمك وجاد.. وإن أعطيتَ المحتاج، لا تتبع عطاءَكَ مَنًّا وأذًى، وكن له السّلوى والمعين على البلوى!