السفر طويل. القطار موحش ينهب الأرض بضراوة نحو المجهول. نقطة المغادرة لم تكن بهيجة الألوان أو سعيدة أو مفعمة بالفرح. إنما تعلّم بالتجربة اين يختبئ من سهام الطلب، وكيف يتفادى الصدمات المميتة، أو على الأقل كيف يتلقاها في أكثر المناطق إيلاما وأقلها خطورة على مراكز البقاء.
مسافر هو الآن إلى مجهول لا يدرك كنهه. ربما كانت أرضا مكشوفة ليس فيها مكان لاختباء أو فرصة لمناورة ما. بعض محطات القطار الموحش الكئيب الذي يتحرك بسرعة مجنونة بلا رحمة، تحمل إليه أشخاصا يملئون نفسه بالأُنس.. الدفء.. الطمأنينة..
خلو القطار الذي توشك أضواؤه على الإظلام الآن منهم، يعني صقيع الوحدة والغربة. فقدهم مؤلم لا بقدر حبه وتعلقه بهم فقط. وإنما لقدرتهم على جذب أخلاط من البشر يضفون على حياة المسافر كل أنواع البهجة والتسرية.
بمغادرتهم القطار ينفض السامر. ويظل البعض يواصلون الرحلة في ذات القطار لكنهم لم يعودوا معك الآن.