جنى يديك حدائق بلورية تتأرجح على متن الجمال، ومناهل غر أعيت الظمأ. ربان سفين أنتِ؛ يشتهي المسافر أن يغرق معه، ماهرة في حياكتنا على مقاس حرفك، وآسرة حين تبللين بما يتناثر من عَرفك – عفوا – شقة الجوع.
حروفك تأتلق حبات كرز في سلكك المموسق، أو لجينا مذابا بين لآلئ منثورة. لينة هينة أنتِ، قوية فتيّة ذات صبوة ودلال
تشدخ حروفك أنف الراغب، وتطرح مهجة المفضي، وتعشوشب على ليونتها منابت الجوى.
تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل. وقفت مليا أنظر في عطفيك، وأجول ببصري بين مراتع وجدك، وأتأمل مسارب الهوى حيت يسيل منك على خد الوجع، فإذا معانيك تلتهم الشغاف وتفضي الى ألمٍ مُشتهَى.
طرقتني زائرة فحيّ خيالها … بيضاء تنشر بالخباء دلالها
قادت فؤادي فاستقاد ومثلها … قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها
وما يزال كلامك العذب يطرد دلالاً وزلالا وغدقا كـ مُهر جَمُوحٍ لا يفيء
يزِلُّ الـغُـلاَمُ الـخِـفَّ عَـنْ صهَـوَاتِهِ … وَيُـلْوِي بِـأَثْوَابِ العَـنِـيْفِ الـمُثَقَّـلِ.
تناغم وده، وتعادلت أطرافه، وصفت معانيه ومراميه، فكم لأناملك العسجد على أرواحنا من نعمة، وكم لفيض نداك من يد على ذي الحاجة المؤمِّل.
ترى العين تستعفيك من لمعانها … وتحسِرُ حتَّى ما تقِلُّ جُفونها
تكتبين في ألق على صُحف من أرق، فتستل معانيك من جوانحنا الجوى والنوى ولوعات الجمال، وتذكين بألسنة لهيبك قلوبا مستجيرة قد شَفّها الوجد وأضناها الشوق وشاقها اللقاء.
ماذا النَّجيعُ بوجْنَتَيْك وليس مِنْ … شَدْخ الأنُوف على الخُدود رُعافُ
أَلحاظُنا جَرَحَتْك حين تَعَرَّضَتْ … لك أَم أَديمكُ جَوْهَرٌ شفّاف
وحين تئن حروفك بوجع اللهفة وتذرف وامقةً حد التناهي، فإنك تسبين وتقتلين.
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي … بسهميك في أعشار قلب مَعطل
حين يتلعثم ثغر البيان ويفغر البديع للحسن فاه، فإن عين الرائي ساعتئذ تجول في أكمام عباراتك الخضِرة النَضِرة تستأنس بسريان شعاع جمالك الذي تتمنطق به الأرض، فيستحيل عذابها عذبا وينقلب يبابها حدائق غلبا، وهاتيك المغاني بالمعاني تتواثب بضة متجردة تشع جمالا ونورا وألقا.
وتضيء في وجه الظلام منيرة … كجمانة البحري سُلّ نظامها
حروفك مصقلة ذات مِرّة قد أحكمت فتلا وأبرمت غرزا واستوت على جادة الرشد تتيه جمالا وتزهو دلالا …
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ..:.. ترائبها مصقولة كالسجنجل
يبرق إيماضها ويزدهي رياضها ترصعت بهالة الحبور على الترائب النحور، وتبسم عن ألمى كأن منورا، تخلل حر الرمل دعص له نَدِى.
كم حُمْت عليها شِرعة، أغازلها أملا، وأطاولها أمدا، حتى شفت ووفت. فيا لها من نبع شهي ندي زلال يفيض ذات اليمين وذات الشمال، يرفد الصادي ويؤمه الحادي وينشر الرِي في كل لهوة.
صهباء قد كلفت من طول ما حبست ..:.. في مخدع بين أنهار وجنات
كأنها زغب أعشاش مرعشة ..:.. تأوي إلي ذات أحضان دفيئات
أنت والجمال رضيعا لَبَان!