يا أيها الصباح الذي نسجتَ من خيوط الشمس لقلبي نورًا؛ ما بك قد أطعت الفراق وجوره والضوء طوع أحلامي؟! أرضيتَ للبدر انقسامًا وهو في تمامه؟! أرضيت الهوان لليل أن يتربع على عرش الدّجى في سواده؟! أم حملت من أفواه الأسئلة أنينًا على أكف الأجوبة كي تستبيح دم الوقت في سكرات أوراقي الدامعة؟! كيف تخترق ضجة مشاعري وهي تلملم شظاياها من محراب المصابيح المصلوبة على ذاكرة النسيان وصدى الأوجاع ينخر أوتار أصابعي؟!
لن يستفيق النور في جفون ليلك بعد اليوم، ولن يتسع ضيائي في صدى مسافاتك. سأجمع كل حرائقي وتفاصيل صراخي في صناديق الصمت فوق شفاه البكاء. بل وسأنعي تاريخيَ الماضي في رفات قصائدي على أوراق الريح كي تنثره هباء في سماء غدي المشرق من حنجرة الفجر الوليد. ستزهر حينها أحلامي، وسينهض أملي في يد الحدثان وهو يقارع أكفّ النسيان كي أستعيد ذاكرة القلب لله، دون افتتان من وجدانٍ أو عيانٍ في كلّ آن.
أراك بين أوراق قصيدتي الخضراء وأنت تمسح عنها كحل الليل المتراكم من ذاكرة التاريخ ومن لسان الذكريات. ترمّم أقدام الحلم الذي يتدلى من غصونها بعد أن غرز فيها البعد مسافات وجهه الأسود الشاحب وهو يتراقص على رخام الحروف اللاذعة. أراك وأنت تمشي قطرات غيث مشبعة فوق زهوري المقدسة؛ كي تنسج من عناقيدها نورًا يضيء لنا خزف الأيام المقبلة، ويقرّب أميال اللقاء.
كلما زأرت رياح الحزن حملت معها رائحة الأرض، فتختنق حبال الصبر في جوفي، وتنقلني زخات الذكرى تحت رقعة الضياع لتسقط في قلبي غرقى بين أكوام أشلائي. كيف للقلوب أن تشيخ وقد حلقت فيها منابر نورك، وامتلأت من مطر حبك، فأغلقت من الليل أنينه وافترشت من عيون البدر كحلاً لرؤيا جمالك.
أنت أنا؛ أعيش فيك وبك ولك، وأرسم من طينتك ملامح حنطتي، وأتشبث بأذيال ثوبك كلما حسحس الجاني في الضمير وأوغل العمر في المسير. أنت في القلب وطن يا كل بلادي.