أدبشعر

الرائي عبدالله البردوني

كَـانَ يَـومَاً كَـالغُصنِ غَـضَّاً وأطرَى

فــي زَمَــانٍ كَـالوَحشِ فَـتكَاً وأضـرَى

فُـتِـحَـتْ عَـيـنُـهُ عــلـى كُـــلِّ شَــيءٍ

حَــولَــهُ تَــرسُــمُ الــمَـلامِـحَ تَــتــرَى

دَاهَـمَتْهُ الـخُطُوبُ، فَـارتَاعَ طِفلاً

فَــــقَــــأَ الـــــــدَّاءُ نَـــاظِــرَيــهِ وأزرَى

فَــانـبَـرَى يَـطـلُـبُ الـضِّـيَـاءِ غَـرِيـبَـاً

فـــــي بِــــلادٍ تَــئِــنُّ جَــهــلاً وجَــــورَا

يَـــصــرَعُ الـــيَــأْسَ تَــــارَةً؛ فَـيُـغَـنِّـي

لـلـمُـنَى يَـافِـعَـاً، ويَـسـقُـطُ أُخـــرَى

رَاوَدَتْـــهُ الـحَـيَـاةُ بِـالـعَـيشِ رَغـــدَاً

فـي خُـضُوعِ القَطِيعِ والعَيشِ فَقرَا

فَــضَّـلَ الــحُـرُّ أَنْ يَــجُـوعَ ويَـعـرَى

فــي شُـمُـوخٍ، بِـالـعِلمِ أَغـنَى وأَثـرَى

حَــــازَ قــلـبَـاً يُــحِـسُّ آلامَ شَــعـبٍ

وضَـمِـيرَاً لا يَـرتَـضِي الـعَـيشَ قَـهرَا

أيـقَـظَ الـحُـبُّ فِـيـهِ قَـيـلاً حَـكِيمَاً

بِـخَـبَـايَـا الــقُــرُونِ والـعَـصـرِ أدرَى

عَـاشَ كَـالعَندَلِيبِ؛ يَـشدُو كَصَبٍّ

نَــبـضُـهُ لا يُــبَــاعُ يَــومَــاً ويُــشــرَى

يَـسـتَـلِـذُّ الــسُّـهَـادَ فِــكــرَاً؛ فَـيَـرقَـى

وهــو يَـقـتَاتُ واقِــعَ الـحَالِ جَـمرَا

عَـاشَ يَـطهُو المُنَى على نَارِ شَوقٍ

يُــطـعِـمُ الـجَـائـعِـينَ شِــعـرَاً ونَــثـرَا

كَـــانَ أيـقُـونَـةَ الـصَّـبَـاحِ، وصَــوتَـاً

يُــوقِـظُ الـنَّـائمِينَ فــي كُــلِّ مَـسـرَى

ويُــعَـرِّي الــظَّـلامَ فـــي كُـــلِّ قَــصـرٍ

ويَــــدُكُّ الــعُــرُوشَ وَكــــرَاً فَــوَكــرَا

ويَـحِـيكُ الـضُّـحَى الـمُـؤَمَّلَ وَعـيَـاً

يُـلبِسُ الـشَّعبَ حُلَّةَ المَجدِ نَصرَا

عَاشَ ضَوءَاً، ومَاتَ كَالنَّجمِ؛ لكنْ

ضَــوءهُ فــي الـسَّمَاءِ يَـسطُعُ دَهـرَا

كُــلُّ سِـفـرٍ حَــوَى الـجَـوَاهِرَ يَـبقَى

كُـــلُّ جِــيـلٍ يَـتـلُـوهُ نَـبـضَاً وفَـخـرَا

أيُّــهَــا الــشَّـاعِـرُ الـضَّـرِيـرُ الـمُـعَـافَى

أنــتَ أَنـقَـى هَــوَىً، وأعـمَـقُ فِـكرَا

لـــــو رَأَيـــنَــا بِــنُــورِ قَــلـبِـكَ يَــومَــاً

مَــــا غَــزَتْـنَـا الــرِّيَــاحُ بَــــرَّاً وبَــحــرَا

جَـنَّـتَـينَا أمــسَـتْ رِمَـــالاً وخَـمـطَـاً

فَـمَـتَـى يــا أبِــي سَـتُـصبِحُ خَـضـرَا؟

قَـدْ رَسَـمتَ الـخُطَى؛ لِنُدرِكَ يَومَاً

أَنَّ نَـسـفَ الـعُـجُولِ يَـصنَعُ فَـجرَا

نُـــــدرِكُ الآنَ أَنَّ جِـــيــلاً جَـــدِيــدَاً

رُغــمَ عُـسـرِ الـمَـخَاضِ يُـولَـدُ حُـرَّا

وجُـــنُـــونُ الــغُــبَـارِ يُـــوحِــي بِـــأنَّــا

قَــدْ بَـدَأنَـا الـخُـطَى كِـفَاحَاً وصَـبرَا

سَـتَـطُولُ الـطَّـرِيقُ حَـتـمَاً، ولـكـنْ

سَـنُـصَلِّي الـضُّـحَى سَـلامَـاً وشُـكرَا

فَـلَـكَ الـمَـجدُ والـخُـلُودُ، وطُـوبَـى

“لـلـسَّـعِيدِ” الـعَـرِيقِ شَـعـبَاً وتِـبـرَا

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى