أدبنثر

على أكفّ الليل ينام النّهار

كنّا مديح المطر في شوارع المساء، وبين أزقّة كانون الماضي، يوم أن غرسنا الحلم في عيون الشّمس، يوم أن مسحنا عن الثّرى كحل الآثام، ورقصنا بجسد القصيدة على أكفّ الذّكريات.

كلّما التصقت أفواهنا بأطراف الزّمن يبساً!! تساقطت مشاعرنا سنابل عجفاء..
هو لا يفقه طلاسم الرّيح على خربشات الضّباب، وعلى وجوه ملامحنا جوعاً، حين تُقضم من الجرأة نبضها، ومن الصوت حنجرته، وهو يبحث عن حروف الغد بين جرائد الأمس النّازف طيناً..

تاهت الفصول بين جراحنا واختمرت العتمة يقظة تثرثر على بقايا الذاكرة أوراقاً خاسرة، هو لا يملك أن يكون ظلاًّ تحت شجرة الصّنوبر، أو أن يكون آذاناً صاغيةً لمزامير داود، وهو يندسّ في أسرار أجوبة الكلام، وهو يقضم أسئلة فجرٍ سالت من فمه المتكاسل سهواً كل اللغات، وهو يقلّبُ في فراشه كلّ الأحلام تحت رماد الضوء المجبول بالذكريات.

تتربّصُ بالنّور كل الحكايات الهاربة من أكفّ الليل، بعد أن أطالت تهجئة خطواته الآيلة للسقوط. فالمسافات المثقوبة لا تملك حبراً تؤرّخهُ للذكرى، ولا الدّفاتر فيها سطور الأمنيات، وأنا لا أملك من انكساري إلا ابتلاع العلقم الذي يفور كالإعصار في نعش الذات.
والحمائم تبحث عن شفاه الأرض اليابسة، وزوايا البحر الهائجة، كي يكبر فيها الطوفان.
هو لا يفقه شيفرة الأرض، عندما تتشقّق شفاهها من ملامح الإنسان، وهي تتخبّط بفوضاه العمياء، هي لا تحمل منديلاً تمسح به دمع الوقت، ولا أقداح صبرٍ تسقي بها أيتام المدينة عند احتباس الأرغفة في جيوب الملوك والأمراء، ليبقى التسوّل شيفرة الغرباء، يُقيم طقوسه على أكف الليل حين ينام النهّار،
وحين يسقط الطين في مدن الصّمت، وحين تُشيّع رفات الذاكرة بين حقول النّسيان.

تجترّ العيون الذابلة كلّ يوم أنساق الأحلام، والفجر يصفّق بالعويل على خدود الضّياء. وأنامله قد بترها الغروب على المرافئ المشردة، حين ودّعه اصفرار الشّروق المثخن بالجراح، وحين اضطرب أنين الخطو برجفة الطّريق نحو الغربة، يهمسه السّراب في آذان الرّياح، وبعض الوصايا المعلّقة على ذاكرة الصّلاة، وهو يتمتم تعويذة المغفرة، ويلملم ضجيجه من رماد الرّاحلين سهواً، ليشدو أسطورة الشّروق على مقصلة الأحزان، وهو يرتّل على تقاسيم وجهه صبر أيّوب من خاصرة الحدثان.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى