أدبقصة

كلماته الأخيرة

هدير الهتاف يصُّمَ الآذان. لم أكن أعلم قبل الآن أنه ليس للرصاص القاتل صوت. تَعوَّدَت أذناي على دويّ انفجار قنابل الغاز. طلقات الخرطوش لها صخب يعلو على هدير الهتاف أحيانا. كلاهما يكفي لبث الهرّج والمرّج، فتفريق المظاهرة. أدركت الآن أن الرصاص يقتل في صمت ودون ضجة. يطلقه ضابط مختبئ الوجه خلف قناع سميك من الصوف الأسود بغرض قتل سريع فعال وليس لتفريق.

سقط بين ذراعَيَّ. انفجر الدم من صدره شلالا ساخنا. لم يلتفت الهادرون نحونا. ظلت المسيرة تتقدم، والرصاص يزغرد زغاريد ضعيفة مبحوحة إيذانا بتقديم مزيد من القرابين.
أصابني شلل. سقطت معه أرضاً، أوَسّده فخذي. أحاول رغم عَمَى أصاب كل خلاياي أن أفعل له شيئا. لم يشغلني عجزي عن فعل شيء لإيقاف شلال الدم، عن المسؤولية التي يدّخرها لي الزمن القادم. ملاقاة أسرته. إبلاغهم بالأمر. الحياة بعده. لم يكن أحب إليّ في تلك اللحظات من استجداء رصاصة إضافية تفجّرني معه.

رفع رأسه قليلا وخَفَتَ خُوارُه. أدركت أنه يريد أن يتكلم. من بين إشفاقي وعجزي قرّبتُ أُذني إليه. جاءني صوتَه متهدّجاً ضعيفاً يُجاهد حتى يُفارق شفتيْه، ومع ذلك كان واضحاً كالسهم المارق:
– قل لهم الدفاع عن النفس ليس عنفاً.
حاولت إسكاته. مع لهفتي على سماع كلماته الأخيرة. أضاف بعد جهد:
– قل لهم أيضا إما الدفاع عن النفس، العين بالعين، والسن بالسن، والحرمات قصاص، وإما عصيان غاندي المدني، وليس دون ذلك شيء.

طال سكوته. شعرت بحرارة دموعي على وجنتي. من بعيد هرع إلينا بعض متظاهرين أدركوا اصطياد الرصاصات لبعضنا. سمعته يُطلق كلمات مُبعثرة:
– لست نادما. تمنيت الموت في ساحة معركة. وليس في مظاهرة سلمية لا تغي…..
توقف نطقه. وبعض الشباب يحملون نصفه الأعلى ويجرّون ساقيه على الأرض جريا نحو أقرب مشفى، وحروفه الأخيرة تنسكب مع دمائه المتسربة على الأرض في خط شبه مستقيم.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى