الحوار المعرفيفكر

الإدراك

أولا: تعريفه:

الإدراك هو الجهد الذهني المدقق والمتفحص لفهم ما يشغله وفي مساحته الممكنة لذلك ولا يمكن فهم واستيعاب أي شيء قابل للفهم بدون الإدراك وهو حقيقة عقلية مجعولة لهذا الغرض وكلما نشط الإدراك توسعت مساحته مما يزداد مخزون ذاكرة العقل بالحقائق الأصل أو المضافة بالفعل والحدث من خلاله.

ثانيا: الإدراك والحس والمادية:

الإدراك هو حقيقة حاصلة بالجعل قائمة بالكشف عما هو مطلوب في العقل والنفس ويتم في حدود طاقته ويستوعب في حدود مساحته وما جعل الله سبحانه من ممكنات في العقل مساندة له وهي النباهة والملاحظة والفطنة والذكاء إجمالا وهذا كله حقيقة حاصلة من دقة الاختلاف ما بين عقل وعقل و بين إدراك وإدراك ولهذا نجد الاختلاف فيما بين العقول هو ليس من أصل مسائل ومفردات الحقيقة بل من توهمات العقل الذي يتصور بها إما فيما بعد حدود الإدراك أو خارج قدراته بما يعني أن العقل يتصور تخيلا أو ظنا أو استقراء مستعجلا في مقررات نتائج الإدراك بعد الخوض في المسألة أو الموضوع الحقائقي المعني بعجالة أو دون الفهم والإدراك التام.

وبالناتج الإدراك هو محض حقيقة قائمة فاعلة بما يتمكن من جني الحقائق وإن عبر الحواس بالحقائق المادية المحسوسة بمؤثراتها المحسوسة ووقائعها الحقائقية أو في المسائل غير المادية وهي الفكرية التي يستطيع الذهن أن يتصورها ابتداء ويجد بالإدراك بحثا عن مدى صدقيتها. ولهذا نجد الإدراك هو المبتغى الأول بحقيقته للعقل صوب الحقائق وتفرعاتها المتنوعة.

وفي تعريف حقيقة الإدراك فقد اختلف الفلاسفة الماديون والإلهيون حيث ادعوا الماديون في حقيقة الإدراك وقالوا هو مادي كونهم تبنوا نكران أصل مهمات الحقيقة وهي تجرد الروح والإدراك والذهن عن المادة بل اعتقدوا جازمين أن كل ما يدركه العقل هو ناتج اتحاد المادة الدماغية مع المادة الموضوعية الخارجية عبر حقيقة المادة ووجودها وما لها من الحيز الكلي غير المجرد منها وهو الكل الواسع الكبير والكثير الجامع لها في الخلق والجعل هذه حقيقة لا تنكر ولكنها ليست كل الحقيقة فهناك حقائق ما وراء المادة وهذا ما يؤخذ على الفكر المادي الذي تقيد وبكل مساحته بالمادة مما أصبح محدود الأفق مقيد بها لا يتسع أبعد من المحسوسات والملموسات وهذا نقص واضح.

أن نكرانهم للحقائق اللا مادية وهي أجل وأعظم الحقائق كونها هي أصل الحقائق بما فيها المادية وما ورائها بهذه دعوتهم التي اختلفوا فيها مع الفلاسفة الإلهيين الذين أسسوا فلسفتهم على أصل تجرد الروح والإدراك والتفكير والذهن عن المادة حيث أن العلوم الأولية هي علوم غير مادية بل وكل العلوم المادية هي بحاجة لها بما فيها الحس والتجربة لأنها أصل كل العلوم والمعارف الأساسية في الإدراك كونها متوغلة في مختلف مسائل وحيثيات الحقيقة وهي في مركز نماء وتطور الإدراك وهو من قامت عليه ركائز المعرفة بدليل القواعد الرياضية هي قواعد أساسية لا مادية مما يتوقف عليها الكثير من العلوم والمعارف المادية بما فيها الحسية والتجريبية ونقول محاججين هل معرفة أصل الخلق هي تتحصل في التجارب والعلوم المادية؟!

ولو كان الإدراك ماديا وغير مجرد عن المادة كما يدعي الماديون لاقتصرت معارفه على محيط المادة فقط ولفقد أهم وأدق معارفه ولأصبح الفكر ماديا جافا جامدا التقاطيا فقط بعد أن فقد ممكنات الإبحار في ساحة الوسع اللا محدود للفكر والمعرفة التي تستجلي مسائل دقيقة ومهمة لكونها من ما وراء المادة وتقيدها الحسي والذي يجعل الإدراك ناقل لا مفكر.

ثالثا: الإدراك بين المادية واللا مادية:

من المعقول جدا لو كان الإدراك ماديا لكان يستحيل عليه إدراك حقائق لا مادية لأنها خارج نسخيته وغريبة عن ماهيته الوظيفية الموصوفة لإدراك ما وراء الحس والمادة.

⇐ سؤال يقول: بما أن الإدراك لا مادي فكيف يدرك المسائل المادية ما دامت هي ليست من نسخيته كما ذكرنا لو أن الإدراك كان ماديا لما أدرك المسائل والحقائق اللا مادية؟

↵ الجواب: أن الإدراك لا مادي ويدرك المادة ومسائلها كونها ليست مسائل غيبية أو ما وراء الطبيعة فكان إدراكها أسهل على الإدراك من لو كان ماديا ولا يدرك اللا مادية كونها غيبيات ومن ما وراء الطبيعة وهذا محال على الإدراك فكان جعله بهذه الكيفية هي لتعظيمه عن تحديده وتقليصه بالمادة والمادية فقط وجعله عاجزا عن أدراك أهم وأعظم الحقائق وهي التي ما وراء المادة التي تتجلى فيها قيمة وأهمية الفكر المبدع الذي توصل وأسس لمعارفه وإبداعاته غير المادية.

اظهر المزيد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى